القرن الحادى والعشرون هو «قرن الأديان بامتياز».. ترددت هذه العبارة على لسان أندريه مارلو، وزير الثقافة الفرنسى الأسبق، منتصف القرن العشرين. فالقرن الجديد، من وجهة نظره، سوف يشهد صراعات مريرة بين الأديان، أو بالأحرى بين معتنقى الأديان، بصورة لم تشهدها القرون السابقة.
صدى فكرة «مارلو» ظهر أيضاً فى نظرية صراع الحضارات التى وضع أسسها صمويل هنتنجتون، التى تحدث فيها عن أن الاختلافات الثقافية ستشكل العامل الأهم فى تأجيج الصراعات بين البشر فى القرن الجديد.
القرن الحادى والعشرون بدأ بواقعة مذهلة تمثلت فى تفجير برج التجارة العالمى (11 سبتمبر 2001) على يد تنظيم القاعدة، الذى أسسه كل من أسامة بن لادن وأيمن الظواهرى فى أفغانستان عقب انسحاب القوات الروسية منها، بعده بدأت رحلة الحرب على الإرهاب -كما وصفها المنظرون الغربيون- واتجهت آلة الحرب إلى الهجوم على أفغانستان ثم العراق.
خلال سنوات الحرب التى قادها جورج بوش الابن، تحدث الرئيس الأمريكى بعبارات دينية بحتة وهو يصف الحرب المقدسة التى يخوضها الأمريكان انتصاراً للحرية، وتطرق إلى الإشارة التى أتته من الله كى يتحرك، وغير ذلك من عبارات قوبلت بعبارات أخرى ذات صدى دينى واضح من جانب المتطرفين الإسلاميين.
بعد دخول الولايات المتحدة الأمريكية إلى العراق عام 2003 تأسس تنظيم قاعدة الجهاد ببلاد الرافدين، وقام التنظيم، الذى يقوده أبومصعب الزرقاوى، بالعديد من التفجيرات التى شهدتها مدن العراق البائسة. كونداليزا رايس، وزيرة الخارجية الأمريكية الأسبق، كانت شديدة الإعجاب بـ«الزرقاوى»، وامتدحت مهاراته العسكرية فى لقاء تليفزيونى شهير على قناة فوكس نيوز، وقالت إنه يذكرها بجنرالات الحرب الأهلية الأمريكية!.
شواهد كثيرة عاصرناها خلال العقدين الأول والثانى من القرن الحادى والعشرين تدلل على ما ذهب إليه «مارلو وهنتنجتون» حول أن القرن الجديد يعد «قرن الأديان بامتياز»، والسرعة التى طفت بها هذه الشواهد على سطح الأحداث العالمية تدل على أن التحضير لما حدث ويحدث كان على قدم وساق طيلة العقود الأخيرة من القرن العشرين. فالغرب كما تعلم يخطط بشكل مبكر للغاية لما سيفعله بعد عقود، لذلك ينجح فى أغلب الأحوال فى تحقيق أهدافه.
لكن ثمة سؤال واجب الطرح هو: هل قفز الدين بشكل خاص ومفاجئ إلى سطح الأحداث العالمية خلال القرن الحادى والعشرين بشكل جعله قرن الأديان بامتياز كما تنبأ «مارلو»؟
مبدئياً اختصاص قرن معين من التاريخ البشرى بأنه دون غيره يعد «قرن الأديان» مسألة فيها نظر. فالأديان منذ ظهورها وهى تشكل محركاً مهماً من محركات البشر، بغض النظر عن منسوب تدينهم.
الدين كان حاضراً وبضراوة خلال الحقبة الاستعمارية. تجد تجليات ذلك فى حملات الغزو الفرنسى على مصر والشرق العربى، ثم الغزو الإنجليزى، الدين كان حاضراً فى الحربين العالميتين الأولى والثانية، وكان حاضراً أيضاً فى شعارات المقاومة للمستعمر التى رفعتها شعوب الشرق خلال جهود تحرير بلادها.
الدين كان حاضراً فى شعارات مقاومة المصريين للحملة الفرنسية وللإنجليز، يستوى فى ذلك الفترات التى كان يقود فيها المشايخ المقاومة مع الفترات التى قادها الأفندية المتعلمون.
من الصعب مبدئياً القول بأن قرناً يمتاز عن غيره من القرون باحتضان صراعات يحركها الدين، فالدين كان ولا يزال يحرك، وهو عامل ضمن مجموعة عوامل تدفع إلى الحروب والصراعات، لكنه بحال ليس العامل الوحيد، بل تستطيع القول أن عامل تجريب وتسويق وبيع السلاح على سبيل المثال أهم بكثير منه، والدين فى مثل هذه الأحوال ليس أكثر من عود كبريت يتم إشعال الصراع به، أو غطاء وهمى يحاول الغزاة الاختفاء تحته فى محاولة لستر مطامعهم التى لا توجد لها أى علاقة بالدين، أو محرك إنسانى للتضحية من أجل تحرير الأوطان.
كان الدين حاضراً فى القرن العشرين، لكنه حضر بصورة أكثر ضراوة فى القرن الحادى والعشرين.. ولكن كيف؟