توقيت القاهرة المحلي 14:21:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الفرار من الغول (1)

  مصر اليوم -

الفرار من الغول 1

بقلم: د. محمود خليل

لم يدر كيف طوى خطوات الشارع الممتد من سوق القلعة بين الفارين النافدين بجلودهم من غول النار الذى فتح فمه فجأة فأحاط بأصحاب النصيب. فكرة وحيدة اندلقت من عقله وهو يقع تحت الأقدام قبل أن يقيم نفسه من جديد، حين تذكر الجملة التى كان يرددها لهم شاويش الوحدة «عبدالعاطى»، وهو يعدهم للقاء العدو: «الرصاصة تخرج من المصنع مكتوب عليها اسم صاحبها.. واللى ليه نصيب فى حاجة هيشوفها»، شعر ببعض الراحة حين وجد بصره يمتد حتى أصابت نظرته قبة مسجد السلطان حسن، التقط نفَساً سريعاً وهرول نحوه، ثم أعطاه ظهره وهو الذى اشتاق من لحظة إلى وجهه، وطار عبر شارع الصليبة وسط حمامات بشرية بدأت تخف أسرابها، بعد أن تفرق بعضها فى اتجاه شارع السيدة عائشة، وبعضها فى اتجاه شارع محمد على، واخترم بعضها شارع باب الوزير، وواصل بعضها الآخر السير معه عبر شارع الصليبة، قطعه فى خطوات قليلة أحس من طول بعضها أن ساقيه تكادان ينفتقان، ثم دلف من جهة الشمال نحو شارع طولون ومنه إلى البيت، تنبه وهو يطرق على الباب إلى الأكياس التى يحملها فى يده، فتبسم ضاحكاً من تشبثه بها طيلة هذا الماراثون، وتعجب من إصرار الإنسان على التمسك بالقوت حتى ولو كان يرتع فى حنك الموت.

ألقى بنفسه أخيراً على الكنبة «الإسلامبولى» التى تتصدر صالة الشقة التى ترقد فى أحد البيوت المقابلة لمسجد أحمد بن طولون، هرولت زوجته نحو الشباك لتفتحه، حتى يجود بهوائه على أنفاس الرجل اللاهثة، ترجاها بصوت واهن أن تغلقه، نظرت إليه وإلى الكرسى الهزاز المجاور للشباك، وتعجبت من عدم هرولته إلى الجلوس عليه، كما تعود بمجرد دخول البيت، ليشرد ببصره فى مئدنة مسجد أحمد بن طولون والعرائس الممتدة على طول سوره العالى.

أحس أنها تسأل ما باله يترك الكرسى الذى يمنع أولاده وحتى زوجته التى يحبها من الجلوس عليه وجلس بعيداً على الكنبة؟.

فجأة عاد مشهد غول النار فأحس بالخوف، وأخذ يهتف: «غول نار وانفتح»، ثم شعر بيد تهزه فجأة فانفزع وأخذ يسأل زوجته بعصبية:

- خالد: بتهزينى ليه؟.. أنا صاحى.

- نادية (بتعجب): صاحى؟.. دا انت عمّال تقول غول نار وانفتح.

- خالد: غول نار وانفتح؟!.. (ثم وهو يتثاءب): ما كنتش بقول حاجة.. دى فكرة وجت فى دماغى وأنا بقرا فى الكتاب.. بس ما قلتهاش.

- نادية (ضاحكة): أهلاً.. واضح إن كتاب «اغتيال الأمم» اللى فوق صدرك اشتغل.

- خالد (وهو يرتشف قطرات من كوب ماء وجده أمامه): لأ لأ.. أنا بس لسَّه متأثر باللى شُفته فى سوق القلعة من سنة.. يوم ما كانوا بيقبضوا على العيال بتوع التكفير والهجرة.

- نادية: الله ينتقم منهم.. قتلوا الشيخ الدهبى بدون ذنب ولا جريرة.

- خالد: الله يرحمه.. (بضجر): اعملى لى شاى.

- نادية: (ضاحكة): هعمل لك كوباية شاى توزن دماغك قبل أول يوم نصومه بكرة إن شاء الله.. أرد الأول ع التليفون اللى بيرن.

تركته «نادية» للرد على تليفون شقيقتها «نجلاء» التى شرعت تحكى لها عن تبادل إطلاق نار بين الشرطة وخلية جديدة من خلايا التكفير والهجرة كانت تختبئ بسوق القلعة.. وأن صوت الرصاص كان يصل إليهم فى الخليفة.. نظرت «نادية» بدهشة إلى «خالد»، الذى انتقل بحركة تلقائية إلى كرسيه الهزاز ووجد نفسه يجلس عليه، شخص ببصره إلى مئدنة أحمد بن طولون، لم يرها بل رأى مجموعة مختلطة من الصور، حمدى السيد الأحمدى، والشاويش عبدالعاطى وزملاؤه فى الوحدة الذين تفرقوا فى لحظة كما التأموا فى لحظة أيام حرب يونيو 1967، واستقر أخيراً عند صورة أبيه الشيخ عبدالعظيم الأحمدى الذى عاش ومات، وهو يشعر أنه لم يفهمه. كان خالد ميالاً إلى التمرد عليه، وعلى طريقته فى النظر إلى الناس والأشياء، وبحمولة المثاليات التى أرهق عقله ووجدانه بحملها منذ الطفولة.

قفز من ذاكرته أول حديث قدسى حفّظه له أبوه: «لم تسعنى أرضى وسمائى.. ولكن وسعنى قلب عبدى المؤمن».. ردده بين نفسه ثم تنهد قائلاً: «رحمة الله وبركاته عليك يا شيخ عبدالعظيم.. لكننى لم أستطِع أن أكونك».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الفرار من الغول 1 الفرار من الغول 1



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد
  مصر اليوم - بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon