توقيت القاهرة المحلي 19:11:28 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الفرار من الغول (1)

  مصر اليوم -

الفرار من الغول 1

بقلم: د. محمود خليل

لم يدر كيف طوى خطوات الشارع الممتد من سوق القلعة بين الفارين النافدين بجلودهم من غول النار الذى فتح فمه فجأة فأحاط بأصحاب النصيب. فكرة وحيدة اندلقت من عقله وهو يقع تحت الأقدام قبل أن يقيم نفسه من جديد، حين تذكر الجملة التى كان يرددها لهم شاويش الوحدة «عبدالعاطى»، وهو يعدهم للقاء العدو: «الرصاصة تخرج من المصنع مكتوب عليها اسم صاحبها.. واللى ليه نصيب فى حاجة هيشوفها»، شعر ببعض الراحة حين وجد بصره يمتد حتى أصابت نظرته قبة مسجد السلطان حسن، التقط نفَساً سريعاً وهرول نحوه، ثم أعطاه ظهره وهو الذى اشتاق من لحظة إلى وجهه، وطار عبر شارع الصليبة وسط حمامات بشرية بدأت تخف أسرابها، بعد أن تفرق بعضها فى اتجاه شارع السيدة عائشة، وبعضها فى اتجاه شارع محمد على، واخترم بعضها شارع باب الوزير، وواصل بعضها الآخر السير معه عبر شارع الصليبة، قطعه فى خطوات قليلة أحس من طول بعضها أن ساقيه تكادان ينفتقان، ثم دلف من جهة الشمال نحو شارع طولون ومنه إلى البيت، تنبه وهو يطرق على الباب إلى الأكياس التى يحملها فى يده، فتبسم ضاحكاً من تشبثه بها طيلة هذا الماراثون، وتعجب من إصرار الإنسان على التمسك بالقوت حتى ولو كان يرتع فى حنك الموت.

ألقى بنفسه أخيراً على الكنبة «الإسلامبولى» التى تتصدر صالة الشقة التى ترقد فى أحد البيوت المقابلة لمسجد أحمد بن طولون، هرولت زوجته نحو الشباك لتفتحه، حتى يجود بهوائه على أنفاس الرجل اللاهثة، ترجاها بصوت واهن أن تغلقه، نظرت إليه وإلى الكرسى الهزاز المجاور للشباك، وتعجبت من عدم هرولته إلى الجلوس عليه، كما تعود بمجرد دخول البيت، ليشرد ببصره فى مئدنة مسجد أحمد بن طولون والعرائس الممتدة على طول سوره العالى.

أحس أنها تسأل ما باله يترك الكرسى الذى يمنع أولاده وحتى زوجته التى يحبها من الجلوس عليه وجلس بعيداً على الكنبة؟.

فجأة عاد مشهد غول النار فأحس بالخوف، وأخذ يهتف: «غول نار وانفتح»، ثم شعر بيد تهزه فجأة فانفزع وأخذ يسأل زوجته بعصبية:

- خالد: بتهزينى ليه؟.. أنا صاحى.

- نادية (بتعجب): صاحى؟.. دا انت عمّال تقول غول نار وانفتح.

- خالد: غول نار وانفتح؟!.. (ثم وهو يتثاءب): ما كنتش بقول حاجة.. دى فكرة وجت فى دماغى وأنا بقرا فى الكتاب.. بس ما قلتهاش.

- نادية (ضاحكة): أهلاً.. واضح إن كتاب «اغتيال الأمم» اللى فوق صدرك اشتغل.

- خالد (وهو يرتشف قطرات من كوب ماء وجده أمامه): لأ لأ.. أنا بس لسَّه متأثر باللى شُفته فى سوق القلعة من سنة.. يوم ما كانوا بيقبضوا على العيال بتوع التكفير والهجرة.

- نادية: الله ينتقم منهم.. قتلوا الشيخ الدهبى بدون ذنب ولا جريرة.

- خالد: الله يرحمه.. (بضجر): اعملى لى شاى.

- نادية: (ضاحكة): هعمل لك كوباية شاى توزن دماغك قبل أول يوم نصومه بكرة إن شاء الله.. أرد الأول ع التليفون اللى بيرن.

تركته «نادية» للرد على تليفون شقيقتها «نجلاء» التى شرعت تحكى لها عن تبادل إطلاق نار بين الشرطة وخلية جديدة من خلايا التكفير والهجرة كانت تختبئ بسوق القلعة.. وأن صوت الرصاص كان يصل إليهم فى الخليفة.. نظرت «نادية» بدهشة إلى «خالد»، الذى انتقل بحركة تلقائية إلى كرسيه الهزاز ووجد نفسه يجلس عليه، شخص ببصره إلى مئدنة أحمد بن طولون، لم يرها بل رأى مجموعة مختلطة من الصور، حمدى السيد الأحمدى، والشاويش عبدالعاطى وزملاؤه فى الوحدة الذين تفرقوا فى لحظة كما التأموا فى لحظة أيام حرب يونيو 1967، واستقر أخيراً عند صورة أبيه الشيخ عبدالعظيم الأحمدى الذى عاش ومات، وهو يشعر أنه لم يفهمه. كان خالد ميالاً إلى التمرد عليه، وعلى طريقته فى النظر إلى الناس والأشياء، وبحمولة المثاليات التى أرهق عقله ووجدانه بحملها منذ الطفولة.

قفز من ذاكرته أول حديث قدسى حفّظه له أبوه: «لم تسعنى أرضى وسمائى.. ولكن وسعنى قلب عبدى المؤمن».. ردده بين نفسه ثم تنهد قائلاً: «رحمة الله وبركاته عليك يا شيخ عبدالعظيم.. لكننى لم أستطِع أن أكونك».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الفرار من الغول 1 الفرار من الغول 1



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:47 2020 الثلاثاء ,11 شباط / فبراير

ميسي وصيفا لـ محمد صلاح تسويقيا

GMT 16:55 2019 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

السويد تعتقل عراقيا اتهمته بالتجسس لصالح إيران

GMT 06:05 2020 السبت ,03 تشرين الأول / أكتوبر

تعرّف على الفوائد الصحيّة لفيتامين "ك" ومصادره الطبيعية

GMT 05:39 2020 الخميس ,06 آب / أغسطس

حقيقة إصابة خالد الغندور بفيروس كورونا

GMT 07:44 2020 الثلاثاء ,16 حزيران / يونيو

سيفاس يفوز على دينيزليسبور بصعوبة في الدوري التركي

GMT 22:48 2018 الثلاثاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

منى زكي تؤكد هشام نزيه موسيقار عبقري ويستحق التكريم

GMT 09:07 2018 الأربعاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

رجل يعتدي على فتاة بالضرب بسبب صفّ السيارات في تكساس
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon