بقلم: د. محمود خليل
هذه الفكرة بحاجة إلى التذكير بها وتتعلق باتجاه بعض الأفراد إلى شرعنة مسألة النّبش عن الآثار، وإضفاء وجه دينى شديد العجب على عملية الاستيلاء عليها.
يحكى «المقريزى» فى خططه أن المصريين مولعون بالتفتيش عما تركه الفراعنة من ذخائر ونفائس وذهب وجواهر، والاستيلاء عليها واعتبارها «ورثة» تركها الأجداد. ولست أستطيع أن أُحدّد بشكل قاطع هل هذه المسألة كانت معروفة قبل الفتح الإسلامى لمصر أم لا؟ لكن «المقريزى» يؤرّخ لها بالفترات التى لحقت فتح المسلمين لمصر، ويبدأ طرحه للمسألة بتبرير شرعى، إذ يذكر أن الأصل فى جواز تتبّع الدفائن ما رواه أبوعمرو بن عبدالبر والبيهقى فى الدلائل من حديث ابن عباس، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لما انصرف من الطائف مرّ بقبر أبى رغال، فقال: هذا قبر أبى رغال، وهو أبوثقيف، كان إذا هلك قوم صاح فى الحرم، فلما خرج من الحرم رماه الله بقارعة، وآية ذلك أنه دفن معه عمود من ذهب، فابتدر المسلمون قبره فنبشوه واستخرجوا العمود منه.
كلام «المقريزى» واضح فى جواز البحث عن الدفائن واستخراجها والاستيلاء عليها، وهو يذكر أن أحمد بن طولون أسس دولته، معتمداً على خبيئة عثر عليها، ويحكى أن ابن طولون ركب يوماً إلى الأهرام، فأتاه الحجاب بقوم عليهم ثياب صوف ومعهم المعاول، فسألهم عما يعملون، فقالوا: نحن قوم نطلب المطالب، فقال لهم: لا تخرجوا بعدها إلا بمشورتى أو رجل من قبلى، وأخبروه أنّ فى الأهرام مطلباً قد عجزوا عنه، فتقدّم إلى عامل الجيزة فى إعانتهم بالرجال والنفقات وانصرف، فأقاموا مدة يعملون حتى ظهر، فكشفوا عن حوض مملوء دنانير.
وقد كان من الطبيعى أن يستولى ابن طولون على الكنز، ويعتبره حقاً مشروعاً لنفسه كأمير للبلاد، وكل ما حاول أن يفعله أن طلب من «الحفارة» ألا يتحرّكوا للبحث عن الدفائن إلا بإذنه، ليعطيهم بعد ذلك جزاء جهدهم، ويستولى على بقية ما وجدوه.
هذه الخصلة أو السمة ما زالت تشكل صفة من صفات بعض المصريين حتى الآن، ولعلك سمعت عن تلك القرى التى لا يوجد بيت من بيوتها إلا وأعملت فيه المعاول عملها، وتم حفر أرضيته، بحثاً عن خبيئة تركها الفراعنة، وهناك من يجد، وهناك من يفشل، ولا يرى كثيرون أن فى الأمر أى إثم من الناحية الدينية، بل لقد سمعت بعضهم يقول إن البحث عن الدفائن يُعد تحقيقاً لآية من آيات الله، بمساعدة الأرض على إخراج أثقالها، ويستدلون على ذلك استدلالاً عجيباً بالآية الكريمة التى تقول: «إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا».
ولو أنك استمعت إلى الصورة الغنائية البديعة التى نسجها الراحل عبدالفتاح مصطفى بعنوان «عوف الأصيل»، ستجد أنه مما جاء فى واحدة من أغانى الصورة: «فرغنا الدرر وكنوز عشتروت.. من قلب الحجر.. من جوف التابوت»، والمعنى واضح ودال بشكل صريح على ما يفعله «الحفارة» الباحثون عن كنوز الأجداد، ولا يجدون أى غضاضة دينية أو أخلاقية فى الأمر.