توقيت القاهرة المحلي 14:21:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

من سار على «الآثار» وصل

  مصر اليوم -

من سار على «الآثار» وصل

بقلم: د. محمود خليل

لا تستطيع أن تحدد بدقة الخط الفاصل بين المتخيل والواقعى فى الأحداث التى يرويها المبدع الراحل خيرى شلبى فى «ثلاثية الأمالى»، تلك السطور الرائعة التى تحكى رحلة حياة «حسن أبوضب» الشاب الفقير الذى ارتحل من الصعيد إلى القاهرة ليصبح واحداً من حكامها أيام الرئيس السادات.

لا تستطيع أن تحدد بسهولة أين ينتهى المتخيل ويبدأ الواقع أو العكس فيما يرويه «خيرى شلبى»، فالثلاثية تحكى عن الآثار وتجارة الآثار وأنواع التجارة الأخرى التى تنمو على هامشها، بما فى ذلك تجارة المخدرات وتجارة الإرهاب وتجارة الدجل، وتكشف كيف مثلت الآثار حجر الأساس فى الثروات الكبرى التى ينعم بها النافذون داخل المجتمع، بالإضافة إلى الثروات الصغرى التى ينعم بها الصغار الذين يعملون فى خدمة كبار تجار الآثار.

تحكى الرواية أيضاً أن الآثار لم تعتقها يد، بل حاولت كل الأيدى الوصول إليها، أيدى البسطاء والمتوسطين وكبار المتنفذين، إنها أشبه بالشركة التى يحكمها عقد اجتماعى غير مكتوب بين الأطراف المعبرة عن الأيدى التى تتقاسمها.

تشير الرواية أيضاً إلى وجود نظرة يتقاسمها الكثيرون حين يطلون بأعينهم نحو الآثار باعتبارها غنيمة أو «ورثة» تركها لنا الأجداد، إنها ثروة الراحلين منذ آلاف السنين تركوها لمن سيأتى بعدهم. فكرة أن الإبداع الفرعونى ميراث حضارى اختص الله تعالى هذا البلد بحراسته ورعايته وعدم تبديده تكاد تكون غائبة تماماً.

الرواية تنقل حالة الاستخفاف بأى قيمة، التى ضربت المصريين بعد النكسة وامتدت بآثارها إلى حقبة السبعينات وما تلاها، دفعت الجميع إلى التصالح على فكرة أن أى شىء فى الحياة إذا لم يُترجم إلى قيمة مالية فإنه يُعد منزوع القيمة.

فى هذه الأجواء والسياقات انطلق سهم حسن أبوضب الصعيدى البسيط الذى دفعته الظروف البائسة التى يعيش فيها إلى أن يعتبر السرقة السبيل الذى يتوجب على الراغب فى الحياة أن يسلكه، سرق وسلب ونهب وتاجر فى الممنوعات. فى البداية كان ضميره يوجعه، لكنه كان ينسى هذا الوجع حين تنقح عليه معدته طالبة الطعام. كان عقله أيضاً يؤرقه حين يتساءل: كيف يمكن أن تكون السرقة وسيلة للحياة؟ لكن سرعان ما وجد الإجابة حين بات خادماً للكبار المتنفذين فوجدهم يتنفسون السرقة، فاقتنع بأنها باتت منهج حياة، فإذا كان الكبار أصحاب العلم والشهادات والمتكلمون فى الدين وأصحاب النفوذ يفعلونها دون أى شعور بالذنب، فعليه أن يقطع لسان عقله حين يسأل.

سار حسن أبوضب على خط الآثار، مؤمناً أن من سار على خطها وصل، كثر المال فى يده وانتقل من مصاف الخدم إلى صفوف الكبار، دخل انتخابات مجلس الشعب فى أواخر عصر السادات، وجلس مستريحاً على أحد مقاعده، وتمددت علاقاته، ومعها تمددت ثروته التى كان أصلها الآثار.

عاش حسن أبوضب طويلاً.. وفى ختام حياته بدأ يملى مذكراته على ابن شقيقته ليتركها منهجاً للآتين من بعده!

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من سار على «الآثار» وصل من سار على «الآثار» وصل



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد
  مصر اليوم - بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon