بقلم: د. محمود خليل
الصبر على المقدور جزء من تركيبة الشخصية المصرية، وفى المجمل العام يظل الصبر على ضغوط الحياة جزءاً من المركب الإنسانى للبشر جميعهم، يمكنهم من مواصلة الحياة.
الصبر على ما يرتبط بالسعى على الرزق من معاناة مسألة لازمة لأى إنسان، مصرياً كان أو غير مصرى، لكن ثمة نوعاً آخر من الصبر وجد المصرى نفسه فى حاجة إليه عبر فترات مختلفة من تاريخه هو الصبر على الإهدار.
وللإهدار أشكال مختلفة، منها مثلاً خلط لقمة العيش بنوع من الإهانة، وهذه المسألة قديمة لدينا، وبإمكانك أن تجد شرحاً لها فى ما قدمه «دى شابرول» فى كتاب «وصف مصر»، الذى أبدعه علماء الحملة الفرنسية، وهو يصف أحوال الفلاح المصرى الذى يعمل تحت حرارة الشمس الملتهبة بصبر ودأب، ثم يأتى الملتزم ويجنى القسم الأكبر من ثمرة تعبه بالقهر والضغط والمطاردة.
من بين أشكال الإهدار أيضاً الإحساس بأن العائد لا يتناسب مع الجهد، فيجد الإنسان نفسه يبذل جهداً كبيراً فى عمل أو مهمة معينة، ثم تأتى النتائج غير متّسقة مع منسوب الجهد، ويترسّخ إحساس الفرد بالإهدار فى هذه الحالة عندما يجد غيره يبذل مجهوداً أقل، أو لا يبذل مجهوداً على الإطلاق وتواتيه النتائج رغم ذلك.
وبسبب التاريخ الطويل من الإهدار الذى عاشه المصريون على مدار قرون، تولد لديهم إحساس زائف بأن السعى لا يُجدى، وأن قيراط حظ خير من فدان شطارة، وأن للإنسان أن يصمت حتى تأتيه لحظة سعد يجد فيها مصباح علاء الدين، فيفركه ليظهر له الخادم ويغرد له بالقول: «شبيك لبيك.. عبدك بين إيديك» ويحقق له الآمال والأمانى.
فى فترة من الفترات ظهر لدى قطاع من المصريين غرام خاص بالانخراط فى المسابقات الإعلانية التى كانت تروج بها الشركات لمنتجاتها، بدءاً من ألبوم الصور الذى يفوز من يجمعه بثلاجة أو غسالة، وانتهاءً بإعلانات «الريان» التى تختبر المعلومات القرآنية ليفوز من تثبت جدارته بألف جنيه أو ألفين من الجنيهات يومياً.
أحدث هذا النوع من الإعلانات جواً كبيراً خلال سنوات متصلة، لكنها بدأت تتراجع لحساب أساليب أخرى تتواءم مع الوسائل الجديدة التى أوجدتها شبكة الإنترنت وقدّمت من خلالها صوراً جديدة أو تجليات معاصرة لمصباح علاء الدين الذى يحقق الحلم فى خبطة حظ.
كثيرون ما زال يقبع فى مخيلتهم «مصباح علاء الدين»، بما فى ذلك بعض الشباب الذين يستقبلون الحياة بعقيدة الانتظار حتى يصل عقلهم إلى «فكرة مطرقعة» يستطيعون من خلالها جمع الملايين، ولا يفرق هؤلاء بين «التنبلة» كوسيلة لا تُجدى للوصول إلى فكرة، والسعى والدأب والمراكمة كطريق موضوعى وحيد لتوليد الأفكار. التنبلة إذا نفعت تولد أفكاراً مصدرها حظائر البط، وهى فى مرحلة تالية تغرى المزيد من التنابلة إلى البحث عن أفكار شبيهة، حتى لو تمثلت فى «التنبلة على سرير أمام إحدى المدارس»!.
الشباب مطالب بتغيير أسلوب تفكيره، وعلى الكبار أن يهيئوا له الظروف التى توفر مساحة أكبر من الفرص، ودرجة أكبر من تكافؤ الفرص، ومنسوباً أكبر من العدل.