بقلم: د. محمود خليل
بائع كبدة كان يكسب قوت يومه بالكاد تحول فجأة إلى رجل يلعب بالفلوس لعب ويرتع فى أرحام السيدات بعد أن قرر السير فى طريق الدجل والدجالين.
هل الدجل مربح إلى هذا الحد؟.. التجارب تقول إنه كذلك، وإذ تقول ما تقول فإنها تؤكد أن حجم الطلب على الدجل داخل مجتمعنا المصرى يفوق الطلب على ما عداه، وليس ما نعيشه على هذا المستوى وليد اللحظة، بل يمتد بجذوره إلى ماضينا البعيد.
كان من المتوقع أن يؤدى تمدد التعليم والعلم بدءاً من عصر محمد على إلى أن يفرد العقل جناحه على أساليب تفكير المصريين فيحد من سيطرة الدجالين عليهم، لكن ذلك لم يحصل، بل على العكس تماماً وجد من بين أرفع الأفراد تعليماً من يخضع فى أحوال لسلطة دجال أو عراف أو ساحر أو مهرج، وتساوى بعض المتعلمين مع الأقل تعليماً فى الهرولة إلى سوق الإسفاف العقلى.
بمنتهى السهولة تمكن «دجال فيصل» الذى أُلقى القبض عليه مؤخراً من غزو عدد من السيدات وإقناعهن بأن هناك جنياً يعتدى عليهن وأنهن محاسبات على ذلك، وأن السبيل الوحيد للخروج من هذه المعصية هو أن يسلمن له أنفسهن، ليعارك الجن الساكن فى الأرحام.. هكذا روت إحدى ضحايا الدجال كما نشر موقع «الوطن».
الدجال كان أيضاً -كما سجلت الضحية- يرتاد بيوت بعض الأغنياء ليقدم لهم خدماته، وكان يحصل منهم على مقابل سخى، نقله نقلة حضارية من بائع كبدة إلى شخص أدرج اسمه فى قوائم المؤثرين.
ليس ذلك وفقط، بل قالت الضحية كذلك إن الدجال كان يأخذ «فلوس» من ضحايا آخرين ليساعدهم فى البحث عن الآثار.. وما أدراك ما الآثار.. وما أكثر ما يحضر الدجالون فى العديد من قضايا السطو على الآثار. ففى ألعاب المال تتفوق قيم الوهم والدجل على ما عداها، وتصبح قاسماً مشتركاً بين الباحثين عنه بالطرق السهلة المريحة.
مؤكد أن هذه الضحية ومن وقع وقعتها لديهن قسط من التعليم، قل أو كثر، لكنه لم ينقذ أيهن من الاقتناع بالكلام الساذج الذى صبه الدجال فى آذانهن، ولم يجد معهن نفعاً، وكأن مؤسساته «أريد لها» أن تتحول إلى مؤسسات لصناعة الجهل.
ضع ما شئت من خطوط تحت عبارة «أريد لها»، فهى لا تنطبق فقط على مؤسسة التعليم، بل على غيره من مؤسسات التوعية التى أريد لها أن تقوم بعكس أدوارها، فالإعلام الذى يفترض فيه التوعية أحياناً ما ينزلق إلى نشر الدجل والترويج لأفكاره وطرقه فى التعاطى مع الحياة، من أجل الترافيك.
والجمهور أصبح طلبه على الدجل يفوق ما عداه، فماذا ننتظر من جمهور يساهم فى صناعة وعيه جهات لا تؤمن أن ما يوجد داخل رأس البنى آدم عقل.. بل أشياء أخرى؟.. إنها تريد له أن يظل على ما هو عليه، لأن ذلك أكسب لها وأربح.
«إن هذا لشىء يراد».