بقلم: د. محمود خليل
تكرار المقدمات يؤدى فى الأغلب إلى تكرار النتائج. فالتلميذ المهمل فى دروسه يفشل فى الامتحان، وإذا قدم الإهمال وهو يعيد السنة فسيكون الفشل مصيره للمرة الثانية.. وهكذا.
مسألة «التعلم من التجارب» تعنى ببساطة أن يتوقف الفرد مع نفسه ويسأل: ما الأسباب التى أدت إلى الفشل؟ وعليه بعد أن يدركها أن يتجنبها، ولا نجاح له إلا إذا فعل ذلك، أما أن يقع فيها مرة ثانية فذلك يعنى أنه لم يتعلم شيئاً من تجاربه.
هذه حقيقة بسيطة ندركها جميعاً، ويتفق أغلبنا عليها، لكن ما أكثر ما ينسى الإنسان بديهيات الحياة وهو يسير فى دروبها ويؤدى فيها.
خلال العدوان الثلاثى على مصر عام 1956 أدينا بطريقة تسببت فى احتلال سيناء من جانب العدو الصهيونى، وبعد انتهاء الحرب انسحبت إسرائيل منها، وفى عام 1967 كررت إسرائيل الخطة نفسها فى السيطرة على سيناء، وهى خطة اصطياد الديك الرومى، فتكررت النتيجة واحتلت سيناء من جديد وظلت كذلك حتى تم تحريرها بحرب أكتوبر ثم بمفاوضات السلام.
خرج الرئيس جمال عبدالناصر عشية يوم 9 يونيو يقول إن إسرائيل ومن ورائها الإمبريالية العالمية تريد أن تتخلص منه، ربما كانت تلك حقيقة، لكن ثمة حقيقة أسطع كانت تقول إننا كررنا أخطاءنا ولم نتعلم مما حدث فى 1956.
العلة لم تكن فى الشعب أو فى الجندى الذى دخل حرب 1967 وهو على استعداد لصناعة الأعاجيب، لكنه فعلياً لم يحارب. العلة كانت فى القيادات التى لا تتعلم، فالقيادة كما تنصح شعبها عليها أيضاً أن تنصح نفسها، وأقرب أذن إلى هذا اللسان أذن هذا الإنسان.
فكرة أن التاريخ يعيد نفسه تتكرر على ألسنة الكثيرين، وهى مقولة يتبناها البعض، لكنّ هناك آخرين يدحضون هذه المقولة مرددين أن التاريخ لا يكرر أحداثه ولا يحزنون، وإنما المسألة فى الأفراد الذين لا يتعلمون من أخطائهم، فيدفعون الثمن نفسه فى كل مرة، يبذلون النصح لغيرهم وهم الأحوج إليه.
لعلك سمعت عن أو قرأت قصة «مالك الحزين» فى كتاب «كليلة ودمنة» ذلك الطائر الذى استمع والحزن يهد قلبه إلى الحمامة الباكية وهى تحكى له ما يفعله الثعلب بها، حين يأتيها تحت الشجرة التى تعشش فيها، ويطلب منها أن تلقى إليه بالبيضات التى باضتها ليلتهمها، وبالتالى لا يوجد لها أفراخ صغار، فما كان من «الحزين» إلا أن نصحها قائلاً: عندما يأتيك المرة القادمة لا تقذفى له ببيضك، واطلبى منه أن يصعد الشجرة ويأخذه، وستجدينه أعجز ما يكون عن ذلك، عملت الحمامة بالنصيحة ولم يقوَ الثعلب على تسلق الشجرة إليها، فباضت فى سعادة وفقس البيض أفراخها، سألها الثعلب عن ناصحها الأمين، فأخبرته أنه مالك الحزين، فذهب إليه وأخذ يمتدح ذكاءه وقدرته على صناعة الأعاجيب، ومن ضمنها دفس الرأس بين الجناحين، تاه إوزها «الحزين» بنفسه. طلب منه الثعلب أن يصنع له الأعجوبة الأخيرة، وفى غمرة الزهو بادر «مالك الحزين» فدفس رأسه بين جناحيه، فاقتنص الثعلب اللحظة وانقض عليه، وقال له وهو يدق عنقه: «يا عدو نفسه.. تبذل النصيحة لغيرك.. وأنت أحوج الناس إليها».
العاقل من اتعظ بغيره.