بقلم: د. محمود خليل
المال الصعب الذى جاء بالتعب والعرق والجهد والاجتهاد لا يتحول إلى أدوات للعبث بالحياة، بل يسهم فى بنائها وتطويرها، وحمايتها، أما المال السهل الذى تدفق من غير حساب بضربة مجهولة أو بضربة من الضربات الأخرى المعروفة فى مصر المحروسة فإنه يتحول إلى أداة تدمير واستخفاف بالحياة.
سيطرة معادلة «المال الصعب» الذى يأتى بالجهد والاجتهاد والتميز على مجتمع من المجتمعات يؤدى إلى سلامته، وذلك على عدة مستويات، أولها أن هذه المعادلة تؤدى إلى توزيع أكثر عدلاً للثروات داخل المجتمع، خلافاً لمعادلة المال السهل التى تؤدى إلى تركيز تلال من المال فى أيدى حفنة قليلة من الأفراد، لأن سوق الجهد والاجتهاد مفتوح أمام الغالبية، أما سوق المال السهل المبنى على الضربات المجهولة فبابُه مفتوح لقلة قليلة من الأفراد.
من العسير أيضاً على صاحب المال الصعب أن يوجهه إلى وسائل للاستهلاك، عبر شراء القصور الفارهة أو السيارات التى يعد ثمنها بملايين الجنيهات وخلافه. المال السهل فقط هو الذى يؤدى إلى الوقوع فى «فخ المخملية»، والمخملية واحدة من أسرار الاستخفاف بالحياة، بل وتدميرها، خصوصاً حين تصادف أشخاصاً قليلى الحظ من التعليم أو الثقافة أو العمر.
لو أنك تابعت نمط حياة كبار رجال الأعمال وأسرهم فى الغرب فسوف تجد أن حياتهم وأولادهم بعيدة عن أى تعابير مخملية، سواء فى الملبس أو نوع السيارات أو الأماكن التى يعيشون فيها، أكبر وجه للإنفاق لدى هذه الأسر هو التعليم، إذ يُنفق عليه بسخاء، لأنه الأداة الوحيدة القادرة على الحفاظ على المال والأعمال داخل الأسرة.
الأمر يختلف فى المجتمعات التى تسيطر عليها معادلات المال السهل، حيث يتحول فى أيدى أصحابه إلى سيارات بملايين الجنيهات توضع تحت أقدام مراهقين أو شباب، يتوافر لديهم كل سبل التتويه والتغييب العقلى، ويتعلمون منذ أن تصافح أعينهم الحياة أن كل شىء سهل ومن الممكن شراؤه ما دمت تملك ثمنه، بدءاً من الشهادة وختاماً بأى بنى آدم «واللى تعرف ديته اقتله».
آخر شىء يتم التفكير فى تغذيته وتطويره داخل الأسر المخملية صاحبة المال السهل هو العقل، عقل الأبناء، فلا اهتمام بالتعليم أو التثقيف أو الترقية الأخلاقية، على العكس تماماً تتوافر لديهم كل أدوات تغييب العقل (صلبة وسائلة).
قبل ثورة يوليو 1952 كان الباشوات أصحاب الثروات يحرصون على إرسال أبنائهم فى بعثات -على نفقتهم الخاصة- للتعليم فى الخارج، رغم أن التعليم فى مصر حينها لم يكن سيئاً، لكنها الرغبة فى الإنفاق على ما هو أجدى وأنفع وأقدر على الحفاظ على الهيبة الاقتصادية والاجتماعية للأسرة.
باشوات مصر المعاصرة مختلفون؛ فآخر ما يهتمون به هو العقل والعلم والأخلاق، وجُل عطائهم لأبنائهم السيارات الطائشة والبراندات ومثيرات المزاج وأدوات تغييب الدماغ، لذلك فليس من الغريب أو العجيب أن تسمع أنَّات ضحايا أبناء المخملية على أسفلت الشوارع فى مصر.. ربنا يرحم الجميع.