توقيت القاهرة المحلي 22:02:21 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«وفقيه قومٍ»

  مصر اليوم -

«وفقيه قومٍ»

بقلم: د. محمود خليل

كان الشاعر حافظ إبراهيم من أكثر الشعراء المعنيين بالدعوة إلى العقلانية وترسيخ العلم بتخصصاته المختلفة داخل المجتمع المصرى، لذا فقد كان من أكثر الداعين والداعمين للتبرع لإنشاء الجامعة المصرية الأهلية (جامعة القاهرة فيما بعد)، وكان يستخدم الشعر فى حث المصريين على ذلك.

اللافت فى شعر حافظ إبراهيم هو ذلك السعى الحثيث نحو الإصلاح والرؤية النقدية التى تلف أبياته الشعرية فتكسوها بالقيمة والقدرة على العبور من عصر إلى عصر ما دام الفساد قائماً.

تجد حافظ إبراهيم فى قصيدة «العلم والأخلاق» ينتقد أداء الأطباء «الشمال» الذين يتكسبون المال من عمليات الإجهاض، ومهندسى الرى المرتشين، والمتلاعبين بالعقول من الأدباء والمفكرين.

لم ينجُ الفقهاء والمشايخ أيضاً من نقد حافظ إبراهيم، بل كان لهم نصيب موفور منه فى القصيدة الشهيرة، ولو أنك تأملت رؤية الشاعر الراحل فى هذا السياق فسوف ترى كيف يمتلك القدرة على بناء الأفكار الهادفة القادرة على عبور العصور، لتظل قادرة على تفسير الأداء العام مع اختلاف المراحل.

يتوقف «حافظ» عند واحدة من كبرى الآفات التى أحياناً ما تضرب الفقهاء والمشايخ، والمتمثلة فى نظرتهم إلى الدين كأداة لتحقيق المكاسب، واستعدادهم لتقديم الفتاوى طبقاً للطلب، إنهم أشبه بـ«الترزية» الذين يقومون بقص ولصق قطع القماش لحبك الثوب تبعاً لمقاس صاحبه، هم ببساطة «ترزية فتاوى».

يقول الشاعر: «وفقيه قوم ظل يرصد فقهه.. لمكيدة أو مستحل طلاق.. يمشى وقد نصبت عليه عمامة.. كالبرج لكن فوق تل نفاق».

فوق «أرض النفاق» يتألق نجم بعض الفقهاء، فيتحولون إلى آلات للتبرير، ظانين فى المجموع ظن السوء، ومتصورين أنه ينخدع بكلامهم وتخريجاتهم الساذجة التى يسوقونها فى سياق الدفاع عن فكرة أو موقف أو رأى.

الفارق بين خصلتى «تفصيل الفتاوى» و«النفاق» فى أداء بعض المشايخ والفقهاء أن الأولى يمكن أن تمر مثل الفتاوى التى كان يتم «توضيبها» على مقاس الملوك والأمراء أيام الحكم الملكى، أما النفاق فأمره مختلف، لأنه عادة ما يتصل بأمور تمس الواقع المعيش للناس، وبالتالى ما أسرع ما يلتفت المصرى إلى رائحة «الفتة» التى تفوح من هذه «الفتوى» أو تلك.

موقف القرآن الكريم من النفاق واضح وقاطع الدلالة، فهو يحدد جوهر صفات المنافقين فى لحن القول «ولتعرفنهم فى لحن القول» وفى القدرة على دفع الآخرين إلى الاستماع لقولهم: «وإن يقولوا تسمع لقولهم». فكلام المنافق يدعو إلى الالتفات، لأنه كلام منمق مزركش، لكنه لا يزيد عن الطبل الأجوف فى النهاية، لأنه متهافت المعنى، ضحل المضمون.

يحاول المنافق استخدام كل مهاراته فى خداع الآخرين، وينسى أنه يخادع خالقه بالأساس.. يقول الله تعالى: «إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم».

ليس كل الفقهاء والمشايخ على هذا النحو بالطبع، فعلى مر التاريخ عرف المصريون مشايخ عقلانيين لا يعرفون أى نوع من النفاق، سواء نفاق الكبار، أو نفاق المجموع المسلم، دأبوا على مواجهة الجميع بالحقيقة، لكن ذلك لا يمنع من وجود نماذج المنافقين وترزية الفتاوى ممن تحدث عنهم «شاعر النيل».

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«وفقيه قومٍ» «وفقيه قومٍ»



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا

GMT 13:32 2016 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أرجو الإطمئنان بأن الآتي أفضل
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon