توقيت القاهرة المحلي 22:45:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

نظرية «الإمام»

  مصر اليوم -

نظرية «الإمام»

بقلم :د. محمود خليل

نظرية «المستبد العادل» واحدة من النظريات التى ظلت تسرى فى دم التجربة العربية فى الحكم منذ وفاة النبى، صلى الله عليه وسلم، ثم اتجه الإمام محمد عبده إلى التأصيل لها عقب فشل الثورة العرابية التى شارك فيها.

فى عصر الخلافة الإسلامية احتكر كل الخلفاء صناعة القرار، مع إعمال مبدأ الشورى -غير الملزمة- فى حدود ضيقة ونسبية للغاية، تمثلت فى الاستنارة برأى أهل الحل والعقد أو مجموعة الرجال المحيطين بالخليفة، والخلاف بين الخلفاء بعد ذلك كان يتجلى فى منسوب العدل، فمنهم من اشتهر به، مثل عمر بن الخطاب وعمر بن عبدالعزيز، ومنهم من بالغ فى الاستبداد، مثل بعض حكام بنى أمية وبنى العباس.

نظرية «المستبد العادل» كانت صالحة فى زمانها ولا شك، ولم يكن العرب استثناءً فيها، بل قل إن العديد من التجارب السياسية فى ذلك الزمن كانت تنحو هذا المنحى، لكن ماءً كثيراً جرى فى الواقع البشرى بعد قيام الثورة الفرنسية، وما أكدته من مبادئ للحكم تمثلت فى الحرية والإخاء والمساواة.

خبر التحول الذى شهدته فرنسا وصل إلى مصر قبل غيرها من البلدان بعد الحملة العسكرية التى قادها نابليون على البلاد. وقد تحدث «الجبرتى» عن التحول الذى طرأ على فرنسا بنوع من الاستهجان ووصف الفرنسيين بأنهم قاموا على ملكهم وعزلوه وأسسوا ما يسمى بـ«دولة الجمهور» يعنى الجمهورية.

كان من الطبيعى أن ينظر «الجبرتى» إلى التحول الذى أصاب الدولة الفرنسية بنوع من الاستهجان، بحكم إخلاصه للمذهب السنى الذى يمتعض من فكرة الخروج على الحاكم، ويعتبر ذلك نوعاً من البغى والإفساد فى الأرض واستحداث الفتن.

إذاً فكرة الديمقراطية أو حتى تفعيل المبدأ الإسلامى العتيد المتمثل فى الشورى لم يكن حاضراً فى التجربة الإسلامية حتى أوائل القرن التاسع عشر، لكن من المؤكد أن الاحتكاك بالحملة الفرنسية وما أحدثته من تغيير فى الواقع السياسى، عندما شكَّل نابليون ديواناً أهلياً يضم ممثلى الأمة من المشايخ والأعيان، وتواصل هذا النهج فى عصر الوالى محمد على، أدى إلى دفع المصريين إلى إعادة النظر فى فكرة استئثار فرد واحد بصناعة القرار.

العديد من الأفكار التى طُرحت خلال الثورة العرابية كانت مستمدة من هذه التحولات، سواء ما يتعلق بالحديث عن الدستور أو المجالس النيابية، بل والتجرؤ أيضاً على طرح فكرة التحول إلى جمهورية، وقد فكَّر «عرابى» فى إحداث هذه النقلة خلال مرحلة معينة من الثورة.

المثير فى الأمر أن حلم «عرابى» فى التحول الجمهورى بما يرتكن إليه من أدبيات سياسية تحقق بعد ثورة يوليو 1952، ورغم ذلك ظلت الفكرة التى طرحها الإمام محمد عبده حول «المستبد العادل» قائمة، بل قل إنها كانت المسيطرة على الحوار الذى دار بين ضباط يوليو وهم يفكرون فى شكل النظام السياسى الذى يحكمون به.

وتستطيع القول بأن مخيلة الضباط كانت سارحة فى شخص جمال عبدالناصر وهم يطرحون هذه النظرية، كما كان محمد على يتسكع فى ذهنية محمد عبده وهو يؤصل لها.

كأن العقل المسلم يتعامل مع الاستبداد على أنه قدر.. أما العدل فمسألة صدفة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نظرية «الإمام» نظرية «الإمام»



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon