بقلم :د. محمود خليل
مؤكد أن التكنولوجيا سيكون لها أثر كبير على صورة المستقبل، وأقصد بالمستقبل هنا العقد القادم الذى يبدأ مع مطلع عام 2030، التأثير سيشمل السياسة والاقتصاد والاجتماع وجميع نواحى الحياة الأخرى.
بإمكانك أن تراجع التحولات التى أحدثتها التكنولوجيا خلال العقدين الماضيين فى هذه المجالات، لتستشف التحولات الأكثر جذرية التى سوف تُحدثها فى المستقبل.
فى دنيا السياسة على سبيل المثال، لم يعد للأحزاب التقليدية القيمة ولا التأثير الذى تمتّعت به خلال القرن العشرين، فالعالم ككل، وكذلك دوله، بدأ يتحرك بمعرفة حركات شابة حديثة، لا تتّسم بالديمومة، بل تبدو مثل الشُّهب التى تلمع فى السماء بقوة ثم تخبو، ليظهر غيرها. أمارات هذا التحول كانت واضحة فى مصر على سبيل المثال أواخر العقد الأول من القرن الحادى والعشرين، فالحركات الشبابية والسياسية التى تشكّلت دون أن تحمل فكراً أو أيديولوجيا خاصة، وتجمّعت فقط حول فكرة التغيير، هى التى نجحت فى التحرّك والتحريك، فى حين بدت الأحزاب السياسية التقليدية شائخة غير قادرة على الحركة أو التأثير.
فى أعتى الديمقراطيات أصبحت الحركات أكثر قدرة على التأثير فى الشارع من الأحزاب السياسية، على سبيل المثال حركة «حياة السود مهمة»، كان لها تأثير واضح فى الانتخابات الأمريكية الأخيرة إلى جوار الحزبين التقليديين، والأمر نفسه ينطبق على بريطانيا وألمانيا، حيث تلعب الحركات الاحتجاجية دوراً مهماً فى توجيه وتحريك الشارع.
فالأحزاب التقليدية التى تشكلت حول فكرة المقر المكانى والتحرك الواقعى بين الجماهير وتوظيف وسائل الإعلام التقليدى تتراجع لحساب الحركات الجديدة، التى تتفاعل على مواقع التواصل الاجتماعى، ويظهر صدى حركتها وأفكارها فى الواقع رغم عدم وجودها على وسائل الإعلام التقليدى.
من المتوقع مع مطلع العقد القادم أن يتغير الوجه التقليدى للسياسة وأساليب الأداء السياسى ومردودها لدى الجماهير بصورة ستضعنا أمام مشاهد جديدة، جوهرها صعود وتأكد أدوار الأحزاب المصالحية الحقيقية التى باتت تحرك العالم حالياً، وستزداد أدوارها مستقبلاً، وهى شركات «الهايتيك».
شركات «الهايتيك»، التى تدير التكنولوجيا المتقدّمة وتقدم التقنيات الذكية للعالم، سوف تحل محل الأحزاب الحاكمة التقليدية، وقد لا نبالغ إذا قلنا إنها سوف تحل محل الحكومات نفسها، أو تلعب على الأقل دور المايسترو الذى يُمسك بعصاه ويدير المسئولين لعزف اللحن الذى يصب فى مصلحتها.
بروفة التحول بدت واضحة خلال الموجات المتلاحقة لوباء كورونا، فأغلب هذه الشركات تضاعفت رؤوس أموالها بالتزامن، لأنها قدّمت الأدوات التى باتت الدول والمجتمعات تعتمد عليها فى إدارة الأعمال والتعليم والعمل وغير ذلك من أنشطة، ومع التوسّع فى تطبيقات الذكاء الاصطناعى مستقبلاً من المتوقع أن تزداد أدوار هذه الشركات ومساحات وجودها فى العالم، ليس على مستوى السياسة فقط، بل على جميع المستويات الأخرى التى تؤثر فى السياسة.
شركات «الهايتيك» سوف تقدم للعالم أنماطاً جديدة من الحكام، لأنها سوف تصبح ببساطة الحاكم الفعلى لدول العالم، وقد بدأت بالفعل رحلتها على هذا المستوى.
القادم فى دنيا السياسة التى ترسم خرائطها شركات «الهايتيك» سيكون فريداً وعجيباً.