بقلم: د. محمود خليل
العاقل من لا يتسرّع فى الحكم على سلوكيات الناس وأفعالهم، دون أن يكون لديه علم بالظروف والملابسات التى أتوا فيها بهذا السلوك أو ذاك الفعل.
كلنا يقع فى هذا المأزق فى بعض الأحوال حين نحكم على أشخاص وأحداث ومواقف لم نرَ أو نسمع تفاصيلها، معتمدين فى ذلك على ما تنشره وسائل الإعلام أو ما تروجه مواقع التواصل الاجتماعى. هذه المنصات جميعها تشكل بالنسبة للإنسان المعاصر امتداداً لحواسه -كما يصف علماء الإعلام- فهى تمد حاسة السمع وحاسة البصر ليسمع الإنسان أو يرى أشخاصاً وأحداثاً ومواقف تقع فى أماكن ومواقع بعيدة عنه وليس فى مقدوره أن يتابعها بحواسه الطبيعية. وعلينا الانتباه إلى أن منصات الإعلام والتواصل الاجتماعى تنقل الأحداث من زاويتها الخاصة بصورة لا تضمن الموضوعية فى بعض الأحوال، أو إدراك خلفية وظروف وملابسات ما نشاهده أو نسمعه فى أحوال أخرى.
من هنا كان من الواجب الحذر من التسرّع فى الحكم، وتقديم العذر على اللوم -قدر الإمكان- ونحن نُقيّم مواقف الآخرين وأفعالهم، والوعى بأن بعض ما يصلنا من معلومات عبر منصات الإعلام والتواصل لا يخلو -فى أحوال- من غرض أو كذب أو تضليل أو رغبة مريضة فى الانتشار.
القرآن الكريم حذّرنا من ذلك فى قوله تعالى: «وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا». فالإنسان مطالب بألا يتتبع ما لا يعلم وما لا يعنيه ويقول رأيت وسمعت، وأن يحذر الوقوع فى آفة تتبع عورات الآخرين. والنبى الكريم، صلى الله عليه وسلم، يقول: «من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو فى جوف بيته».
عندما تجد فى نفسك شهوة الحكم على أحد، تذكر فقط أنك يمكن أن تكون مكانه، أو فى أقل تقدير أنك لست فى مكانه حتى تحكم عليه. وما أسرع ما تدور الأيام وتتقلب الساعات وتنقلب الأحداث.. وقد ضرب لنا الخالق مثلاً ببنى إسرائيل حين قالوا لنبيهم موسى، عليه السلام: «قَالُوا أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا»، فرد عليهم النبى، كما تقول الآية الكريمة: «قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِى الْأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ».
مسألة أخرى لا بد من الالتفات إليها، هى أنه ليس من حق بشر أن يحاسب غيره، إلا على أدائه، أما سلوكه الشخصى وأخلاقياته ومدى التزامه بالقيم التى أجمعت عليها الأديان فموكول إلى الله الذى يقول: «وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِره فِى عُنُقِهِ»، ويقول: «كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ».
من حق البشر أن يحاسب غيره على مدى التزامه بالواجبات المنوطة به والالتزامات التى ألقاها المجتمع على كاهله حين اختاره لأداء دور معين، أما السلوكيات الشخصية والحياة الخاصة والأخلاقيات والالتزامات الدينية فالله تعالى هو الذى يحاسب عليها، والعاقل من يدعو بالهداية لغيره إذا رأى منه ما لا يرضيه.
يقول النبى، صلى الله عليه وسلم: «كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون».. وفى الإنجيل: «من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر».. حاصروا انتفاضة الحجارة التى نكاد نقع فيها حين يملأ كل منا حجره بما يقذف به غيره!