بقلم :د. محمود خليل
ظل لورد كرومر معتمداً بريطانياً لمصر منذ الفترة من 1882 (عام الثورة العرابية) إلى 1906 (عام مذبحة دنشواى)، وخلافاً للعديد من المعتمدين السابقين أو اللاحقين له تبنى «كرومر» مجموعة من الأفكار فى النظر إلى مصر والمصريين وعلاقتهم بالإسلام، تردد صداها فى خطبته الأخيرة التى خطبها فى وداع النخب المصرية، بعد تركه المعتمدية عقب حادثة دنشواى الشهيرة.
وقد تكفل أحمد لطفى السيد بمناقشة أفكار كرومر فى كتابه «قصة حياتى»، ومن خلال هذه المناقشة تستطيع أن تستخلص ملامح رؤية «لطفى السيد» لتجديد الخطاب الإسلامى.
بداية كان كرومر يرى أن أفكار المصريين عقيمة غير منتجة إلى حد أنه يصعب معرفة مقاصدهم وآمالهم السياسية. فبعضهم يظهر لك الرضا عن نتائج الاحتلال دون الرضا عن الاحتلال، وهم أكثر ميلاً لطلب مهندس إنجليزى لتقسيم الماء، أو قاضٍ إنجليزى للفصل فى قضية.
إشكالية التناقض تلك كانت ظاهرة أيام الاحتلال الإنجليزى، وربما يكون لها صدى فى الواقع المعيش حتى الآن (فكرة الحكم الأجنبى)، وهى ترتبط بالصدمة الحضارية التى عاشها المصريون أيام الحملة الفرنسية، حين أبهرهم حجم التطور الذى تميز به الفرنسيون وكذلك التطوير الذى أحدثوه خلال فترة وجودهم فى مصر، لكنهم فى نفس الوقت لم يتمكنوا من الإفلات من حقيقة أنهم يمثلون احتلالاً غربياً لبلادهم لا بد من مقاومته. ناقش لطفى السيد هذا الاتهام وذكر أن المصرى إنسان طبيعى يؤدى كما يؤدى غيره، تعجبه الإصلاحات والتطويرات التى قام بها الاحتلال على مستوى الرى والأشغال وإلغاء السخرة ومنح بعض الحريات، لكنه لا ينسى أن الإنجليزى حرم الأمة من الحياة السياسية واحتل أرضها.
فالإعجاب بقدرات الغازى لا يعنى بحال قبوله حين يستنزف خيرات البلاد ويصادر حريات الشعوب. وليس ثمة تناقض بين إعجاب ابن الحضارة بالنتاج العلمى والتكنولوجى والإنسانى لغيره، ورفضه لاحتلال أجنبى لأرضه.
كان «كرومر» يرى أيضاً أن المصريين غارقون فى الانحياز لفكرة «الجامعة الإسلامية». ويبدو أنه كان يلمح فى ذلك إلى تجربة مصطفى كامل الذى كان يقود حركة التحرر من الاحتلال فى ذلك الوقت، وكان ينادى باستقلال مصر اعتماداً على تركيا، ويؤكد فى المحافل الدولية أن مصر ولاية عثمانية تتبع الدولة العلية فى إسطنبول.
وقد فسر أحمد لطفى السيد ذلك بإصرار إنجلترا على احتلال مصر وتأكيد كرومر أن الاحتلال باقٍ إلى ما شاء الله، فى وقت كان ينظر فيه المصريون إلى بعض دول البلقان التى تحررت من الاحتلال لمجرد أنها دول مسيحية، أما مصر، فلا فرصة لها فى ذلك، لأنها دولة مسلمة. فى هذا السياق يمكن تفسير حلم المصريين فى تحقيق وحدة إسلامية وإعادة الهيبة إلى دولة الخلافة حتى تتمكن من رفع نير الاستعمار عنهم.
كان أحمد لطفى السيد يرى أن فكرة الجامعة الإسلامية مجرد فكرة ساذجة، وأن الجامعة الإسلامية غير موجودة، ولا يوجد دليل على أن المصريين يسعون إليها، كما أنه لو حاول إيجادها لاستحال ذلك بالمرة على طلابه. فالجامعة الإسلامية ليست أكثر من خرافة اخترعها الإعلام الإنجليزى فى محاولة لشحن الرأى العام الغربى ضد حق مصر فى التحرر.