بقلم: د. محمود خليل
الأشرف خليل واحد من أشهر سلاطين الدولة القلاوونية (المملوكية)، وقد تولى السلطة بتفويض من أبيه السلطان المنصور قلاوون، وشهد عصره العديد من الاضطرابات الناتجة عن الصراع على السلطة بينه وبين مجموعة الأمراء المماليك المنتشرين فى بلاط الحكم.
ارتبط الأشرف خليل بعلاقة وطيدة بأحد تجار الشام هو الصاحب شمس الدين بن السلعوس، وكان يتاجر فى القماش فى دمشق، ارتبط معه «الأشرف» بعلاقة تجارية ربح منها الكثير، لذا فقد تعلَّق به وآثره على كثير ممن حوله من الأمراء المماليك، مما أثار غضبهم وحنقهم.
الواضح أن «ابن السلعوس» كان يُغدق نفحاته السخية على الأشرف خليل، ليس من باب توزيع الربح بين شريكين تجاريين، بل كان يدفع من جيبه الخاص فى سبيل تحقيق أهداف أبعد، وسرعان ما بان الغرض من وراء ذلك، حين ترجَّى «ابن السلعوس» الأشرف خليل بأن يكلم والده ليعينه محتسباً على دمشق، وكان له ما أراد، لكن أحواله اضطربت بعض الشىء حين وشى أحدهم لدى المنصور بأن «ابن السلعوس» يحصد المال من أوجه كثيرة اعتماداً على علاقته بولده «الأشرف».
اختلفت الأمور وتبدلت الأحوال بعد أن اعتلى الأشرف خليل تخت السلطنة، فأرسل إلى «ابن السلعوس» يدعوه للحضور إلى مصر ليتسلم الوزارة ويشارك معه فى إدارة البلاد، فبات رجل المال وزيراً يجمع فى قبضته بين نفوذ صانع القرار وسطوة صاحب المال، وبات موكبه فى مصر يشابه موكب السلطان نفسه، كما يحكى «فلسطين تيسير» فى دراسته عن السلطان الأشرف خليل.
كان من الطبيعى أن يثير التمدد السياسى والاقتصادى الذى حظى به «ابن السلعوس» حفيظة الأمراء، لكن الرجل لم يكن يأبه بذلك بفضل موقعه الأثير عند السلطان، دس الأمراء له كثيراً عند «الأشرف»، لكن الأخير لم يأبه بالوشايات، على العكس استمع أكثر للاتهامات التى بدأ «ابن السلعوس» يكيلها للأمراء وصدقها واعتقد فيها وعاقبهم على أساسها، فامتلأت قلوبهم بالغيظ والغضب على كل من السلطان وابن السلعوس.
بدأ الأمراء يخططون للتخلص من السلطان الأشرف خليل ووزيره الذى ركب معه السلطة والمال، ووضعوا خطة لتنفيذ ذلك قاد عملية تفعيلها على الأرض نائب السلطان الأمير «بيدر» خلال إحدى رحلات صيد الطيور التى كان الأشرف خليل شغوفاً بها هو ووزيره الأثير «ابن السلعوس».
وتم المراد حين خرج السلطان للصيد كعادته فى موضع قريب من مدينة الإسكندرية، فضربه الأمير «بيدر» بسيفه ضربة خفيفة مترددة لم تقض عليه، فصرخ فيه أحد الأمراء الموجوعين من السلطان قائلاً: ليس لمن يريد مثل ما تريد أن يضرب بهذه الخفة، وسحب سيفه وضرب به السلطان ضربة قاتلة. وفى ملمح من ملامح البراعة المملوكية فى التآمر، اتجه الأمراء القتلة إلى اتهام «ابن السلعوس» بالمشاركة فى اغتيال السلطان، وقرروا معاقبته على ذلك، فاستولوا على كل خزائنه من المال، ووضعوا أيديهم على كل ممتلكاته، ثم بادر أحدهم إلى قتله، لتنتهى واحدة من أشهر الزيجات بين المال والسياسة فى العصر المملوكى.