توقيت القاهرة المحلي 14:11:55 آخر تحديث
  مصر اليوم -

قدَر المفسد «الخسارة»

  مصر اليوم -

قدَر المفسد «الخسارة»

بقلم: د. محمود خليل

خلق الله تعالى الأرض وجعل رسالة الإنسان عليها «الإعمار» وليس «التخريب»، لذلك تجد القرآن الكريم يتبنى موقفاً مُنكراً للفساد والفاسدين، ولعلك تلاحظ أن الكتاب الكريم يؤكد فيما يتعلق بالفساد على أن الخالق العظيم لا يحب الفعل: «وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ»، ولا يحب الفاعل: «إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ».

معانٍ عديدة يمكن أن تستنتجها من السياقات المختلفة التى وردت فيها كلمة «فساد» فى القرآن الكريم، من بينها: الظلم والخروج عن حد الاعتدال، لكن ثمة تحديداً محدداً للمدلول الأخطر لمعنى الفساد وما يُقصد به من تخريب للواقع فى الآية الكريمة التى تقول: «وَلَا تُفْسِدُوا فِى الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ»، فالفساد تخريب للواقع على الأرض بشكل يعرقل قدرة الأفراد على العيش بشكل عادل وكريم. فمن يسرق أو ينهب أو يستحل المال الموجَّه إلى المجموع لنفسه يعطل حياة الآخرين، ومن ينهب المال اللازم لتحسين معطيات الحياة يعوق حياة المجموع ويعقدها.

الفساد فى القرآن فعل أحمق يرتكبه بشر ضد بشر بصورة تؤدى إلى إرباك حياة الجميع. يقول الله تعالى: «ظَهَرَ الْفَسَادُ فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِى عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ». فالبشر هم الذين يصنعون الفساد من حولهم وهم الذين يجنون أثره بعد ذلك، الفاسد يجنى، ومن سكت على الفساد وتركه يمرح يجنى أيضاً. الفساد يسمم حياة الجميع، والمعاناة الناتجة عنه لا تقتصر فقط على من يدفعون ثمنه، بل تتمدد إلى المتربحين منه أيضاً.

وتتركب المأساة حين نلاحظ الربط الذى ربطه القرآن الكريم بين الطغيان والفساد. فالطغيان -بما يشمله من دلالة على المعنى العام للظلم- يُعد المقدمة الأساسية لظهور الفساد فى البر والبحر: «وَفِرْعَوْنَ ذِى الْأَوْتَادِ الَّذِينَ طَغَوْا فِى الْبِلَادِ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ».

فالسقوط فى وهدة العذابات يمثل النتيجة الطبيعية التى تترتب على وقوع المجتمع فى فخ الفساد (بالفعل أو بالرضاء والسكوت)، وصور المعاناة كثيرة. فى المقابل تجد أن رحمة الله تعالى «قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ»، فالأخذ على يد المفسدين، والدفاع عن فكرة الإصلاح وتحسين شروط الحياة والاستناد إلى قيم الإحسان فى الاستفادة من معطياتها يدفع بسحابات الرحمة الإلهية لتظلل الواقع وتُخرج البشر من دوائر المعاناة إلى دوائر الاستقرار والتوازن والرضاء.

البشر جميعاً يعيشون فى النهاية تحت سماء يحكمها إله عادل، وقد نهى عن الفساد فى الأرض، حماية للحياة عليها، وصوناً لأهلها عن السقوط فى بئر الخراب، خراب كل شىء. يكفى أن نتذكر معاً هذا الوعد الإلهى الذى لا يتأخر، ويقول فيه الله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ»، فالمفسد خاسر، مهما نظر إليه مَن حوله على أنه يكسب ويربح ويعب من الحياة أكثر منهم.. الخسارة هى القدر الطبيعى للمفسدين.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قدَر المفسد «الخسارة» قدَر المفسد «الخسارة»



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:52 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

ميس حمدان تصرح الظهور كضيفة شرف لا ينتقص من مكانتي الفنية
  مصر اليوم - ميس حمدان تصرح الظهور كضيفة شرف لا ينتقص من مكانتي الفنية

GMT 09:13 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

GMT 00:03 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

بايدن يُكرم ميسي بأعلى وسام في أمريكا

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 13:37 2020 الأحد ,24 أيار / مايو

الفيفا يهدد الرجاء المغربي بعقوبة قاسية

GMT 12:48 2020 الثلاثاء ,19 أيار / مايو

أسعار الذهب في مصر اليوم الثلاثاء 19 مايو

GMT 16:51 2020 الثلاثاء ,31 آذار/ مارس

إصابة طبيب رافق بوتين في جولة "فيروس كورونا"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon