توقيت القاهرة المحلي 11:01:46 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أبيض وأسود

  مصر اليوم -

أبيض وأسود

بقلم: د. محمود خليل

يفضل الكثيرون العودة إلى زمن «الأبيض والأسود» عندما يستبد بهم التعب من زمن «الألوان»، فتجدهم يتجهون إلى البحث عن فيلم قديم «أبيض وأسود» وقضاء الوقت أمامه.

إنهم يهربون من التعقيد إلى البساطة، ومن سطحيات الحياة إلى عمقها، ومن صخب الحاضر إلى هدوء الماضى، ومن زمن الشات إلى زمن الاستماع.

عبر نجيب محفوظ عن هذه الحالة الإنسانية فى روايته «أولاد حارتنا»، وهو يحكى قصة «أدهم» ابن «الجبلاوى»، ولحظات التعب التى عاشها بعد طرده من البيت الكبير بسبب معصيته لأبيه، واندفاعه إلى اقتحام خلوة الأب للاطلاع على وصية الوقف.

عانى «أدهم» الأمرّين عندما هبط إلى زحمة الحارة واضطر إلى أن يحصل على قوت يومه بعرقه وتعبه، كان يسائل نفسه وهو يبحث عن شجرة يلتمس أسفلها الظل: أين حديقة البيت الكبير؟.. الحديقة التى كان يجلس فيها مسترخياً تحت ظل أشجارها، لا يسمع سوى صوت الطيور المحلّقة ويستمتع بأنغامها، التى تثير فى نفسه شجناً راقياً، يدفعه إلى التقاط الناى، ليترجم أشواق نفسه الراضية إلى نغمات ملهمة تحتفى بالحياة وتلهج بالشكر لصاحب البيت الكبير الذى يسّر هذه النعم لمن يعيشون فيه.

كثيرون يجدون فى أنفسهم الحنين هذه الأيام لزمن الحديقة والناى الذى كان يحلم «أدهم الجبلاوى» بالعودة إليه ثانية عبر التفتيش فى دفاتر الأبيض والأسود.

تجد البعض يحدثك عن بساطة الحياة فى حقبة الأربعينات من القرن الماضى والتى تحكيها لك أفلام نجيب الريحانى، والأدب الراقى فى تعامل الناس بعضهم مع بعض، والقدرة على الصفح التى كان يتمتع بها الجميع.

وتجد آخر يصف لك كيف تآزر مجتمع بأكمله مع طفلة صغيرة -فى فيلم «حياة أو موت»- حيث أخطأ الصيدلى فى إعداد دواء لأبيها فخلطه بمادة سامة، ولحظة أن أدرك ذلك تحرك بشجاعة أدبية نادرة ولجأ إلى حكمدار العاصمة ليحاول إنقاذ شخص من نتائج خطأ وقع فيه، يبكى الصيدلى بحرارة وهو يستحلف الحكمدار بالتحرك لإنقاذ أب من الوفاة فى يوم العيد، وحماية أسرة من فقد عائلها، فيستجيب الحكمدار وتتآزر معه الإذاعة فى محاولة الإنقاذ.. وفى الشارع تجد الجميع يمد يده للفتاة حتى تصل سالمة آمنة إلى بيتها، بعد أن ضلت الطريق إليه.

وتجد ثالثاً يصف لك حالة التسامح التى كانت تسود المجتمع، والتى ظهرت فى احتواء لقيط فى فيلم الخطايا، ودفعت نجمة كبيرة إلى الوقوع فى حب كومبارس والزواج منه فى فيلم «معبودة الجماهير»، وحالة الرفض العارم للقبح الذى طرأ على المجتمع فى فيلم «السوق السوداء»، وكذلك رفض أن يتحول المال إلى إله معبود فى فيلم «الخمسة جنيه»، وأن يستبد الأب بسلطانه ويعيش بشخصية مزدوجة فى البيت والشارع فى «بين القصرين».

يقول البعض إن الحنين لأفلام الأبيض والأسود يدفع إليه مشاهدة الصور النظيفة والهادئة للشوارع والطرق والمواصلات وبهاء البيوت وغير ذلك، وظنى أن السر ليس فى نظافة المكان قدر ما هو فى نظافة الإنسان الذى تعبر عنه هذه الأفلام.

إنها محاولة للبحث عن إنسان أكثر نظافة على المستوى الأخلاقى.. بحث عن إنسان يعرف كيف يؤدى فى الحياة كإنسان.. إنسان يعرف كيف يقلل مساحات الأسود فى داخله لحساب الأبيض.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أبيض وأسود أبيض وأسود



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد
  مصر اليوم - بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon