توقيت القاهرة المحلي 13:08:31 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أبيض وأسود

  مصر اليوم -

أبيض وأسود

بقلم: د. محمود خليل

يفضل الكثيرون العودة إلى زمن «الأبيض والأسود» عندما يستبد بهم التعب من زمن «الألوان»، فتجدهم يتجهون إلى البحث عن فيلم قديم «أبيض وأسود» وقضاء الوقت أمامه.

إنهم يهربون من التعقيد إلى البساطة، ومن سطحيات الحياة إلى عمقها، ومن صخب الحاضر إلى هدوء الماضى، ومن زمن الشات إلى زمن الاستماع.

عبر نجيب محفوظ عن هذه الحالة الإنسانية فى روايته «أولاد حارتنا»، وهو يحكى قصة «أدهم» ابن «الجبلاوى»، ولحظات التعب التى عاشها بعد طرده من البيت الكبير بسبب معصيته لأبيه، واندفاعه إلى اقتحام خلوة الأب للاطلاع على وصية الوقف.

عانى «أدهم» الأمرّين عندما هبط إلى زحمة الحارة واضطر إلى أن يحصل على قوت يومه بعرقه وتعبه، كان يسائل نفسه وهو يبحث عن شجرة يلتمس أسفلها الظل: أين حديقة البيت الكبير؟.. الحديقة التى كان يجلس فيها مسترخياً تحت ظل أشجارها، لا يسمع سوى صوت الطيور المحلّقة ويستمتع بأنغامها، التى تثير فى نفسه شجناً راقياً، يدفعه إلى التقاط الناى، ليترجم أشواق نفسه الراضية إلى نغمات ملهمة تحتفى بالحياة وتلهج بالشكر لصاحب البيت الكبير الذى يسّر هذه النعم لمن يعيشون فيه.

كثيرون يجدون فى أنفسهم الحنين هذه الأيام لزمن الحديقة والناى الذى كان يحلم «أدهم الجبلاوى» بالعودة إليه ثانية عبر التفتيش فى دفاتر الأبيض والأسود.

تجد البعض يحدثك عن بساطة الحياة فى حقبة الأربعينات من القرن الماضى والتى تحكيها لك أفلام نجيب الريحانى، والأدب الراقى فى تعامل الناس بعضهم مع بعض، والقدرة على الصفح التى كان يتمتع بها الجميع.

وتجد آخر يصف لك كيف تآزر مجتمع بأكمله مع طفلة صغيرة -فى فيلم «حياة أو موت»- حيث أخطأ الصيدلى فى إعداد دواء لأبيها فخلطه بمادة سامة، ولحظة أن أدرك ذلك تحرك بشجاعة أدبية نادرة ولجأ إلى حكمدار العاصمة ليحاول إنقاذ شخص من نتائج خطأ وقع فيه، يبكى الصيدلى بحرارة وهو يستحلف الحكمدار بالتحرك لإنقاذ أب من الوفاة فى يوم العيد، وحماية أسرة من فقد عائلها، فيستجيب الحكمدار وتتآزر معه الإذاعة فى محاولة الإنقاذ.. وفى الشارع تجد الجميع يمد يده للفتاة حتى تصل سالمة آمنة إلى بيتها، بعد أن ضلت الطريق إليه.

وتجد ثالثاً يصف لك حالة التسامح التى كانت تسود المجتمع، والتى ظهرت فى احتواء لقيط فى فيلم الخطايا، ودفعت نجمة كبيرة إلى الوقوع فى حب كومبارس والزواج منه فى فيلم «معبودة الجماهير»، وحالة الرفض العارم للقبح الذى طرأ على المجتمع فى فيلم «السوق السوداء»، وكذلك رفض أن يتحول المال إلى إله معبود فى فيلم «الخمسة جنيه»، وأن يستبد الأب بسلطانه ويعيش بشخصية مزدوجة فى البيت والشارع فى «بين القصرين».

يقول البعض إن الحنين لأفلام الأبيض والأسود يدفع إليه مشاهدة الصور النظيفة والهادئة للشوارع والطرق والمواصلات وبهاء البيوت وغير ذلك، وظنى أن السر ليس فى نظافة المكان قدر ما هو فى نظافة الإنسان الذى تعبر عنه هذه الأفلام.

إنها محاولة للبحث عن إنسان أكثر نظافة على المستوى الأخلاقى.. بحث عن إنسان يعرف كيف يؤدى فى الحياة كإنسان.. إنسان يعرف كيف يقلل مساحات الأسود فى داخله لحساب الأبيض.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أبيض وأسود أبيض وأسود



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 07:44 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البنك المركزي المصري يعلن تراجع معدل التضخم السنوي

GMT 22:26 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات Xbox One X تتجاوز 80 ألف فى أول أسبوع

GMT 14:26 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

أبطال " السبع بنات " ينتهون من تصوير أدوارهم في المسلسل

GMT 18:22 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن "هوندا سبورت فيجن GT" الجديدة بتصميم مثير

GMT 05:34 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تحتفل بعيد الميلاد في هاواي

GMT 09:27 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

أهم صيحات فساتين السهرة المثالية

GMT 10:34 2023 الثلاثاء ,24 كانون الثاني / يناير

الأردن يسلم اليونسكو ملف إدراج أم الجمال إلى قائمة التراث

GMT 04:47 2021 السبت ,02 تشرين الأول / أكتوبر

الفنان محمد فؤاد يطرح فيديو كليب «سلام»
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon