بقلم: د. محمود خليل
لم يعد «خالد» متعاطفاً مع المشاهد التى تقدمها له «نادية»، وهى تحتال بالدين على مجموعة من المحتالات مثلها. كل همهن نفاق السماء، وإبداء التدين باللسان لإبهار أهل الأرض، أما السلوك فبعيد عن الدين بُعد السماء عن الأرض، بعد أن تحول إلى أداة من أدوات المناورة فى الدنيا، وليس وسيلة لتنظيفها، اعتبرها و«صويحبات ابن سلول» مثل من تجمعوا على العالِم الذى سقط ذات يوم من فوق حماره فى شارع المدينة، فتدحرجت عمته بعيداً عنه. فتجمع المارون وأخذوا يجرون وراء العمامة صائحين ارفعوا تاج الإسلام ارفعوا تاج الإسلام!. بينما كان العالِم المسكين طريح الأرض يناديهم: «أنهضوا أولاً شيخ الإسلام». فالشكل الدينى يفوق المضمون، والطقس يتفوق على القيمة. والآن لم يعد الاجتماع على العمة أو الشيخ، بل على الحمار.
لم يعد الرجل الذى يخطو نحو الستين شغوفاً أيضاً بمشاهد ولده الأكبر «أسامة» الذى كان يذكّره بنفسه مبدأ زواجه، يعانى من أبسط التقلبات الاقتصادية، ويشعر بالعجز أمامها حتى يناوله أبوه حلاً، يغنيه عن إتعاب رأسه فى البحث عن حل، وهو فى كل الأحوال لا يزور أباه إلا فى حاجة، فإذا لم يكن انقطع عنه. وجد متعته فى المشاهد التى نسجتها تجربة الحب الذى ربط بين ولده الأصغر «عبدالعظيم» والفاتنة نجلاء الأحمدى. حب عبدالعظيم ونجلاء ذكّره بسحابة بيضاء رائعة النصاعة فى سماء داكنة بالسواد، نفحة صدق فى زمن كاذب، كان يدرك أن عبدالعظيم مخلص فى حبه، لكنه لم يكن مطمئناً، فى وجود أحلام الأحمدى، إلى براءة حب نجلاء له، فأحلام تعتبر كل من حولها أدوات من الواجب توظيفها فى تحقيق طموحها الذى لا يحدّه حد، وليس له سقف، بما فى ذلك الجميلة «نجلاء»، التى عوضت زحف الزمن على جمالها الذابل.
لم تكن «أحلام» بعيدة عن القصة، بل علمت كل تفاصيلها من «نجلاء» الراقدة فى حضنها، وتُسر إليها بكل صغيرة وكبيرة فى العلاقة. ضحكت أحلام عندما سمعتها لأول مرة، لكنها تركت الأمور تجرى، ثقة منها بأنها قادرة على حسمها فى الوقت الذى تحبه، كما اعتبرت «عبدالعظيم» أداة ضمن أدواتها، يصح أن تستخدمه فى الوقت المناسب، وفى اللحظة التى تريد، لأنها تملك فى بيتها من يريد. المرة الوحيدة التى تدخّلت بشكل حاسم فيها كانت بعد حصول «عبدالعظيم» على الماجستير، فقد حدّث «نجلاء» فى الأوان الذى آن ليتقدم لها، ويتزوجها، أسرّت نجلاء إلى أمها بما قال، فردت عليها بشكل حاسم:
- أحلام: مش وقته خالص.
- نجلاء: ليه يا مامى.. عبدالعظيم أخد الماجستير.. وكل اللى حواليّا بيقولوا لى إنى فى سن جواز.
- أحلام: عبدالعظيم بيحبك.. علشان كده لازم يستنى.
- نجلاء: فهمينى ليه؟
- أحلام: يا حبيبتى ماتعمليش زيى وتسجنى جمالك من بدرى.. لازم الأول تستثمريه.. واللى يبقى منه يروح لعبدالعظيم.
- نجلاء: مش فاهمة.
- أحلام: بصى يا حبيبتى.. جمال النجمة غير جمال الزوجة.. جمال النجمة منور وجذاب.. وكل اللى بيشوفه بيحلم بيه.. عمرك سمعتى عن نجمة سيما اتجوزت بدرى؟.. الأول لازم تكسب من جمالها وتستفيد منه.
- نجلاء (بغضب): تقصدى إيه يا مامى؟
- أحلام: غبية.. بس حلو إن الجمال يكون غبى.. يا حبيبتى قصدى إن ظهورها عَ الشاشة.. ظهورها لوحده ليه تمن وتمن كبير.. تفضل الجميلة عً الشاشة لحد ما يشبع الناس فرجة.. وتشبع هى مكسب.. بعدها تتجوز باللى باقى منها.. فهمتى.
أحلام الأحمدى امرأة مختلفة، لا ترى فى الحياة إلا طموحاتها، وترى من حولها مجرد أدوات لتحقيق ما تريد، وهى تعرف كيف تختار طريقها لإقناع كل فرد، ليصبح أداة فى يدها. كانت من أكثر الشخصيات التى يهوى «خالد» مشاهدتها فى العالم المحيط به كامرأة خارجة من زوايا التاريخ لتلعب دوراً غير مفهوم فى واقع بات مخنثاً، كما كان يردد.