بقلم: د. محمود خليل
«خالك كمال من محاسيب الحسين».. كذلك رددت «خديجة» ابنة السيد أحمد عبدالجواد عندما سمعت ابنها «أحمد» المنتمى إلى إحدى الحركات الشيوعية يعرّض بإيمان خاله كمال عبدالجواد.
«مالهم الشيوعيون.. بابا بيحب أتباع سيدنا على جدا» وكذا علقت عائشة على كمال عبدالجواد وهو يحدثها عن أحمد «ابن خديجة» الذى أصبح شيوعياً، إلى أن أفهمها أن كلمة «شيوعى» غير كلمة «شيعى».
لو أنك قلّبت فى صفحات «ثلاثية نجيب محفوظ» فسوف تجد «الرمزية الحسينية» حاضرة بقوة، وسوف تشعر وأنت تتنقل بين مواضعها وأجزائها المختلفة أن «الحسين» كان مصاحباً لأسرة السيد أحمد عبدالجواد فى كل المواقع والمواقف، يستوى فى ذلك رجالها مع نسائها، وأطفالها وشبابها مع كبارها.
فزيارة الأم أمينة لضريحه الشريف كانت السبب فى تركها للمنزل فى رواية «بين القصرين»، حين غضب السيد أحمد عبدالجواد لأنها قامت بالزيارة دون استئذانه.
وفى المشهد الافتتاحى من رواية «السكرية» يظهر السيد أحمد عبدالجواد مخاطباً أمينة: «أراهن على أنك زرت الحسين كالعادة رغم هذا البرد.. فقالت أمينة فى حياء وارتباك: فى سبيل زيارته يهون كل صعب يا سيدى.. الحق علىّ وحدى. فقالت أمينة فى استرضاء: إنى أطوف بالضريح الطاهر وأدعو لك بالصحة والعافية».
يشير نجيب محفوظ أيضاً إلى أن كمال عبدالجواد، الابن المثقف، كان من «محاسيب الحسين». حتى لقاءات الشيخوخة بين السيد أحمد عبدالجواد ورفاق شبابه كان مركزها مسجد الحسين، حيث يجتمعون فى صلاة العشاء ثم يتحركون إلى زيارة صديقهم على عبدالرحيم الراقد فى فراشه منذ شهور.
وعندما استبدّ الحزن بعائشة بعد وفاة ابنتها بادرت أمينة أمها إلى القول: «رحمته وسعت كل شىء طاوعينى وتعالى معى ضعى يدك على الضريح واتلى الفاتحة تتحول نارك إلى برد وسلام كنار سيدنا إبراهيم».
والمتصفح لما سجّله نجيب محفوظ حول تاريخ المجتمع المصرى خلال النصف الأول من القرن العشرين وأنماط تفاعل المصريين مع الإسلام، يجده حريصاً على إبراز وجه المحبة لأهل بيت النبى والاحتفاء بهم فيما سطره قلمه، كجزء من إيمانهم السنى العميق.
ويعكس شغفه باستدعاء شخصية «الحسين» -على وجه الخصوص- مدى ولعه بكل ما هو محلى ورهانه على أن التعبير عن مكونات الثقافة المحلية الراسخة بداخله هو ما يمنح أدبه صك الخلود، وقد دعم من هذا المكون بداخل الأديب العالمى نشأته فى حى الجمالية بالقرب من حى الحسين بما يحمله المكان من عبق ثقافى وإرث تاريخى.
منذ استشهاده فى كربلاء وما صاحب ذلك المشهد الموجع من اعتداء على أهل بيت النبى صلى الله عليه وسلم من جانب الجيش الذى سيّره يزيد بن معاوية، اكتسب «الحسين بن على» رضى الله عنه رمزية خاصة فى قلوب المسلمين عموماً والمصريين على وجه الخصوص.
وهى الرمزية التى أبدع نجيب محفوظ فى استدعائها كأحد مكونات الوجدان الدينى المصرى الذى يمتاز بتسامحه وانفتاحه.