توقيت القاهرة المحلي 22:45:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

البال الخالي

  مصر اليوم -

البال الخالي

بقلم :د. محمود خليل

طرحت من قبل هذا السؤال: كم منا يعيش بنعمة: «خلو البال»؟.. وأجد أن ثمة حاجة للتذكير بالإجابة عنه.

«خلو البال» عنوان كتاب غزله يوسف إدريس فى القرن الماضى. ويشتمل على مجموعة من المقالات التى تجتهد فى تقديم إجابة عن السؤال اللغز: لماذا البال غير خالٍ؟.

المقال الرئيسى الذى يحمل الفكرة هو مقال «خلو البال». وفيه يتحدث عن حال الكثيرين من حوله، وأيضاً عن نفسه، ويتساءل: لماذا لا ينعم الجميع بخلو البال، كما ينعم به كثيرون فى بقاع متفرقة من أرض الله؟. يستدل الكاتب على ذلك بنموذجين لشاب وفتاة التقى بهما فى قطار بفرنسا.

الشاب لا يملك عملاً ثابتاً، بل يعمل كمترجم بالقطعة، ترك أسرته الثرية وآثر أن يعيش بمفرده، تزوج ثم طلق زوجته بعد عامين، وينعم معها الآن بعلاقة صداقة ودودة. يحلم بأن يكون ممثلاً، ورغم تعثر خطواته، فإنه سعيد بمواصلة المحاولة. هو دائماً سعيد، ولا يحمل للدنيا هماً، ويعيش ببال رائق.

أما الفتاة فعاملة فى بوفيه القطار الذى يمتطيه الكاتب. تخدم أكثر من 300 راكب، وتقابل الجميع بابتسامة حقيقية؛ تتلون بلون البهجة عندما ترتسم لشاب، وبلون العطف حين تتوجه لشيخ، وبلون البراءة حين تتجه نحو طفل. ابتسامة لا تعرف التصنع. إنها تبتسم رغم أنها سوف تترك عملها بعد شهر بالتمام والكمال. وعندما سألها الكاتب كيف ستتصرف؟ أجابته: أبحث عن عمل جديد. وهل عثرتِ عليه؟. بابتسامة مشرقة: لا.. لكننى واثقة أن الفرصة ستجىء.

الفوارق الواضحة بين الوجوه المشرقة بالابتسامة والألسنة المغردة بالألم داخل هذه المجتمعات والنقيض الذى يرسم وجه البشر فى حياتنا دفع الكاتب إلى التساؤل: ما السر فى خلو البال لدى هؤلاء وغيابه لدينا؟.

الإجابة بسيطة: إنه الأمل والثقة فى المستقبل.. فهم عكسنا مطمئنون إلى المستقبل. يقول الكاتب: «المستقبل هو مشكلتنا ومبعث قلقنا والغيوم المسدلة فوق أعيننا».

انشغال البال هو أصل مشاكلنا، وجوهر الإخفاق الذى نشعر به فى جنبات حياتنا. فصاحب البال المشغول لا يستطيع أن يتقن عملاً، أو يجوِّد منتجاً، أو يوجد حلاً لمشكلة، أو يتحمل المشاكل التى لا تخلو منها حياة إنسان، أو يطيق ضغوط غيره من البشر.

استحضر يوسف إدريس حدوتة شعبية لطيفة ليدلل بها على فكرته تحكى قصة نجار اعتلى «سقالة» بإحدى العمارات وأخذ يعمل بحرفية وإتقان، بينما يصدح صوته بغناء عذب وبصوت يشع بهجة وأنساً وأملاً. توقف أسفل منه رجل انبهر ببراعة صنعته وباله الرائق وسأله: صنعة أم خلو بال؟. فأخذ النجار يضحك على سؤاله الذى لا يملك له إجابة.

قرر الرجل وضع النجار فى اختبار. أرسل سلة تحمل لحماً ودجاجاً وألواناً مختلفة من الفواكه إلى زوجة النجار، وأخبرها أنه مبعوث بها من طرف الزوج. عاد النجار آخر النهار فاخترقت رائحة الطعام الشهى أنفه، واتسعت عيناه وهو ينظر إلى سلة الفواكه التى يراها أمامه. سأل زوجته: من أين لك هذا؟. أجابته: أنت الذى أرسلتها. رد: أنا لم أرسل شيئاً.. قامت القيامة داخل بيت النجار.

فى اليوم التالى مر الرجل على النجار فوجده شارد البال سارحاً تسقط قطع الخشب من يده، وقد انقطع غناؤه، واكتسى وجهه بالهم والغم والكرب العظيم. سأله من جديد: صنعة أم راحة بال؟. صمت النجار ولم يجب. أخبره أنه هو الذى أرسل سلة الطعام إلى منزله. لحظتها اطمأن النجار وهدأ وراق باله، وعاد يعمل بمهارته المعهودة مغرداً بصوته العذب.

الشاهد: «انشغال البال على المستقبل» أصل العلة فى المشكلات التى تحاصرنا. صاحب البال الخالى وحده الذى يتقن صناعة الحياة ويبرع فى حل مشكلاته.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

البال الخالي البال الخالي



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا

GMT 13:32 2016 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أرجو الإطمئنان بأن الآتي أفضل
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon