توقيت القاهرة المحلي 11:36:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«فَرَآهُ حَسَناً»

  مصر اليوم -

«فَرَآهُ حَسَناً»

بقلم :د. محمود خليل

كثيراً ما أقف متأملاً الآية الكريمة التى تقول «أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً».

تعبر الآية عن حالة تعكس مفارقة إنسانية عجيبة، يؤدى فيها الإنسان ردىء الأعمال ويأتى بقبيح السلوك، ثم ينظر فيرى أن ما يفعله هو الأحسن والأفضل، ويستغرب كل الاستغراب إذا لام عليه أحد، إذ يرى بعينه الكليلة عن رؤية معايبه والمحبة لذاته أنه يفعل الأصوب والأمثل والأصلح.

أجمع المفسرون على أن نائب الفاعل المسئول عن تزيين السوء للإنسان هو إبليس الذى يخدع الإنسان فيزين له الأفعال والسلوكيات المضادة لقيم العقل المستقيم والقلب السليم ليسوقه إلى جهنم. وظنى أن هذا التفسير مجازى، ويقصد به بالأساس «شيطان النفس الإنسانية». فحالة اختلال الرؤية أو خداع البصر التى يقع فيها الإنسان فيرى الأشياء على غير حقيقتها مردها «النفس الإنسانية»، بشقيها العقلى والوجدانى.

العلة ليست فى الشيطان قدر ما هى فى النفس الإنسانية التى تبرر لصاحبها ما يقوم به من أفعال وما يأتيه من سلوكيات، وتدفعه إلى التماس الأعذار لنفسه، وإلقاء اللوم على الآخرين.

قديماً قيل إن «الإنسان حيوان مبرر»، فهو يميل باستمرار إلى تقديم المبررات لأفعاله ولسلوكياته، ولا يسمع إلا لمن يضيف المزيد من الحجج المبررة لأدائه.

على سبيل المثال إذا اشترى شخص من ماركة معينة تجده ميالاً إلى مطالعة الإعلانات التى تشرح مميزاتها وقدراتها، يسعد إذا وجد غيره يمتطيها، ويقول لنفسه: «خلاص السيارة ماركة كذا ملأت البلد»، ويتأفف إذا استمع إلى خطاب نقيض يتحدث عن سلبيات اكتشفها البعض بعد تجربة هذه السيارة.

الإنسان ميال إلى تزيين أفعاله وسلوكياته، ويغضب إذا وجد من يطعن فيها أو يكشف بعض مكامن السوء التى تعتريها، لأنه ببساطة محب لنفسه، ولا يرضى باتهامها.

للمصريين مثل لطيف يقول: «ربنا وزع الأرزاق كل واحد ماعجبهوش رزقه.. ووزع العقول فكل واحد عجبه عقله». هذا المثل يفسر لك بعبقرية دور العقل فى تزيين الأعمال السيئة للإنسان.. فكل إنسان يعيش حالة عُجب بتفكيره وبطريقته فى تدبير الأمور، وينقم أشد النقمة حين يخيب سعيه أو لا يحقق له ما يرجوه من نتائج (رزقه). فهو دائماً غير راضٍ عن رزقه، شديد الاحترام لعقله، وما يسوقه إليه من أفعال وسلوكيات.

لقد وصف القرآن الكريم نوعاً من البشر بـ«الْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً». وهو وصف شديد القسوة، وعرَّفهم الكتاب الكريم بأنهم: «الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً». وهو تعريف شديد الروعة لبشر يفنون أعمارهم فى السعى فى الحياة ويفرضون وجهة نظرهم وأدائهم عليها، ولا يسمعون لأى وجهات نظر بديلة، لأن لديهم قناعة راسخة بأنهم يحسنون صنعاً.

هؤلاء على وجه التحديد هم من يقعون فى «شرك التزيين». وهى الحالة التى تختلط فيها الأمور على الإنسان فيزيغ بصره، ولا يعود قادراً على تمييز السيئ من الحسن.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«فَرَآهُ حَسَناً» «فَرَآهُ حَسَناً»



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon