بقلم :د. محمود خليل
كثيراً ما أقف متأملاً الآية الكريمة التى تقول «أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً».
تعبر الآية عن حالة تعكس مفارقة إنسانية عجيبة، يؤدى فيها الإنسان ردىء الأعمال ويأتى بقبيح السلوك، ثم ينظر فيرى أن ما يفعله هو الأحسن والأفضل، ويستغرب كل الاستغراب إذا لام عليه أحد، إذ يرى بعينه الكليلة عن رؤية معايبه والمحبة لذاته أنه يفعل الأصوب والأمثل والأصلح.
أجمع المفسرون على أن نائب الفاعل المسئول عن تزيين السوء للإنسان هو إبليس الذى يخدع الإنسان فيزين له الأفعال والسلوكيات المضادة لقيم العقل المستقيم والقلب السليم ليسوقه إلى جهنم. وظنى أن هذا التفسير مجازى، ويقصد به بالأساس «شيطان النفس الإنسانية». فحالة اختلال الرؤية أو خداع البصر التى يقع فيها الإنسان فيرى الأشياء على غير حقيقتها مردها «النفس الإنسانية»، بشقيها العقلى والوجدانى.
العلة ليست فى الشيطان قدر ما هى فى النفس الإنسانية التى تبرر لصاحبها ما يقوم به من أفعال وما يأتيه من سلوكيات، وتدفعه إلى التماس الأعذار لنفسه، وإلقاء اللوم على الآخرين.
قديماً قيل إن «الإنسان حيوان مبرر»، فهو يميل باستمرار إلى تقديم المبررات لأفعاله ولسلوكياته، ولا يسمع إلا لمن يضيف المزيد من الحجج المبررة لأدائه.
على سبيل المثال إذا اشترى شخص من ماركة معينة تجده ميالاً إلى مطالعة الإعلانات التى تشرح مميزاتها وقدراتها، يسعد إذا وجد غيره يمتطيها، ويقول لنفسه: «خلاص السيارة ماركة كذا ملأت البلد»، ويتأفف إذا استمع إلى خطاب نقيض يتحدث عن سلبيات اكتشفها البعض بعد تجربة هذه السيارة.
الإنسان ميال إلى تزيين أفعاله وسلوكياته، ويغضب إذا وجد من يطعن فيها أو يكشف بعض مكامن السوء التى تعتريها، لأنه ببساطة محب لنفسه، ولا يرضى باتهامها.
للمصريين مثل لطيف يقول: «ربنا وزع الأرزاق كل واحد ماعجبهوش رزقه.. ووزع العقول فكل واحد عجبه عقله». هذا المثل يفسر لك بعبقرية دور العقل فى تزيين الأعمال السيئة للإنسان.. فكل إنسان يعيش حالة عُجب بتفكيره وبطريقته فى تدبير الأمور، وينقم أشد النقمة حين يخيب سعيه أو لا يحقق له ما يرجوه من نتائج (رزقه). فهو دائماً غير راضٍ عن رزقه، شديد الاحترام لعقله، وما يسوقه إليه من أفعال وسلوكيات.
لقد وصف القرآن الكريم نوعاً من البشر بـ«الْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً». وهو وصف شديد القسوة، وعرَّفهم الكتاب الكريم بأنهم: «الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً». وهو تعريف شديد الروعة لبشر يفنون أعمارهم فى السعى فى الحياة ويفرضون وجهة نظرهم وأدائهم عليها، ولا يسمعون لأى وجهات نظر بديلة، لأن لديهم قناعة راسخة بأنهم يحسنون صنعاً.
هؤلاء على وجه التحديد هم من يقعون فى «شرك التزيين». وهى الحالة التى تختلط فيها الأمور على الإنسان فيزيغ بصره، ولا يعود قادراً على تمييز السيئ من الحسن.