بقلم: د. محمود خليل
بعيداً عن الجدل الدائر حالياً حول فيلم «أصحاب ولا أعز» ثمة موضوع أهم يتوجب التوقف أمامه والانشغال به نظراً لتأثيراته الخطيرة على مستقبل السينما والميديا المرئية عموماً فى الحاضر والمستقبل.. إنه موضوع المنصات التليفزيونية.
منذ عدة سنوات كان العالم يتحرك من حولنا، وعادات وأساليب المشاهدة التليفزيونية والسينمائية تتبدل لدى الأجيال الجديدة، دون أن يتنبه أحد إلى ما يحدث أو يحسب حسابه.
شاشة التليفزيون باتت «موضة قديمة» وحتى شاشة «اللاب توب».. فقد حل محلهما «شاشة الموبايل» وأصبحت الوسيلة الرئيسية للمشاهدة، خصوصاً لدى الأجيال الجديدة من الشباب والمراهقين، بل ولدى بعض الكبار، وبعد أن كانت الجريدة المطبوعة هى الوسيلة الإعلامية الوحيدة التى يمكن أن يصطحبها الشخص فى الأوتوبيس أو المترو ليقرأها، باتت مشاهدة المسلسلات والأفلام بديلاً موضوعياً الآن للجرائد، إذ يسلى الراكب نفسه حالياً بالمشاهدة، بعد انقراض عادة القراءة، مثلما انقرضت الصحف المطبوعة.
القناة التليفزيونية باتت هى الأخرى «موضة قديمة» وأصبح البديل الموضوعى لها هو المنصة التليفزيونية.. والمنصة التليفزيونية أشبه بالمحلات القديمة المنقرضة لتأجير أو بيع شرائط الفيديو (أكيد فاكرها)، تختار من على أرففها الفيلم أو المسلسل الذى تريد مشاهدته.
المنصة ليست أكثر من «دكان فيديو»، وأشهر منصة تليفزيونية عالمية حالياً بدأت بمفهوم «تقديم الفيديو حسب الطلب»، فكانت تبيع الأفلام على سيديهات لمن يريد من المشاهدين، بعدها بدأت تقدم الأفلام باشتراكات مدفوعة عبر وصلات تليفزيونية، ثم اتجهت إلى تليفزيون الإنترنت، وأنتجت بعد ذلك تطبيقات أتاحتها على أجهزة الموبايلات الذكية، وكذلك أجهزة التليفزيون الذكية (أى المتصلة بالإنترنت).
اعتمدت المنصات فى البداية على المحتوى التليفزيونى أو السينمائى المنتج خارجها، ثم بدأت هى نفسها تتجه إلى الإنتاج، وقد انطلقت على هذا المستوى فأنتجت العديد من الأفلام والمسلسلات والحلقات الوثائقية والبرامج، وغير ذلك من مواد قادرة على الوفاء بكافة الاهتمامات التى يتحلق حولها المشاهدون.
نحن نعيش منذ سنين ثورة فى عالم التليفزيون تشبه، فى مردودها، التأثيرات التى أحدثتها المواقع الإلكترونية فى الصحف المطبوعة، والأخيرة -كما تعلم- تسير فى طريق الاختفاء، لكن الأدهى فى ثورة المنصات التى تهز عرش التليفزيون التقليدى أنها تعتمد على منتج إنسانى عالمى يتابعه البشر فى كل مكان من أرض الله، وهو الأفلام والمسلسلات، وهى تجتهد فى تقديم محتوى حددت زبائنه فى أكثر من 7 مليارات إنسان، هم تعداد البشر على سطح الأرض، لأنها تراهن على قدرتها على استقطاب كل زبون منهم ليشترك فى خدماتها، ومن الطبيعى جداً أن يشتمل منتجها على العديد من التنويعات القيمية التى قد تختلف من مجتمع إلى آخر، لأنها تخاطب مجموعاً شديد التنوع والتباين.
لذلك فعلى المنزعجين أو المتحفظين، وكذلك المدافعون عن بعض الأفكار والقيم التى عبّر عنها فيلم «أصحاب ولا أعز» مثل الخيانات الزوجية أو المثلية أو العلاقات التليفونية وغير ذلك، أن يستعدوا لما قد يكون أدهى وأمر، فقد يجابهون فى المستقبل بما يتصادم مع العديد من القيم التى تبلورت حولها الشخصية المصرية.