بقلم: محمود خليل
لو أنك تأملت قصة «ابْنَى آدم» قابيل وهابيل، التى حكى عنها القرآن الكريم، فستجد أن القاتل كان مقتولاً قبل أن يَقتُل، وأن المقتول عاش بعد أن قُتل.
القرآن الكريم أشار إلى القصة فى قوله تعالى: «وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَىْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ، لَئِن بَسَطتَ إِلَىَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِى مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِىَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّى أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ، إِنِّى أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِى وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ، فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ».
«قابيل» هو من تربص بأخيه «هابيل» ونقم عليه وحسده على الزواج من شقيقته فى البطن الذى أنجبه، وكان «آدم» قد قرر أن ذكر كل بطن يتزوج من أنثى البطن الآخر، اشتعل الخلاف بين الشقيقين، وأمرهما أبوهما «آدم» بتقديم قربان إلى الله، ومن يتقبل الله قربانه يفوز بالأنثى المتنازع عليها، فقرب «هابيل» شاة سمينة «وكان راعياً للغنم»، وقدم «قابيل» زرعاً وثماراً من أردأ ما أنجبته أرضه «وكان مزارعاً»، فأرسل الله ناراً من السماء أكلت قربان «هابيل»، وحسمت الأمر لصالحه. هنالك اشتعلت نفس «قابيل» بالحقد وطوعت له نفسه قتل أخيه.
القصة تحمل رمزية عميقة لنزاع البشر على الدنيا وأطايبها ومتعها، فالأنثى المتنازع عليها تحمل دلالة على الدنيا الزاهية التى يحلم الجميع بالعيش فى ظلالها، وروح القاتل «قابيل» نموذج قديم متجدد على الشخصيات المولعة بتدمير أى شىء يقف فى طريق سيطرتها على الحياة ومعطياتها، الشخصيات المستعدة لتحطيم أى شخص يحول بينها وبين رغباتها، الشخصيات التى تقع أسيرة فى يد شيطان، فيسيرها ويوجهها إلى سحق ما يحيط بها، وينتهى بها الأمر إلى تدمير الحياة من حولها.
أما روح القتيل «هابيل»، فهى الروح الطيبة المطيعة لربها الزاهدة فى دنياها، التى تؤثر الانسحاب من المواجهة حتى ولو أدى ذلك إلى قتلها، والمشكلة الوحيدة لهذا النوع من الشخصيات النبيلة أنها تترك الحياة لشياطين البشر يرسمون خرائطها كما شاءوا وشاء لهم الهوى.
يقول «ابن كثير» معلقاً على رد «هابيل» على «قابيل» حين توعده بالقول: «وقوله له لما توعده بالقتل لئن بسطت إلىَّ يدك لتقتلنى ما أنا بباسط يدى إليك لأقتلك إنى أخاف الله رب العالمين دل على خلق حسن وخوف من الله تعالى وخشية منه وتورع أن يقابل أخاه بالسوء الذى أراد منه أخوه مثله».
لقد وصف القرآن الكريم «هابيل» بأنه أخوف لله من «قابيل»، وأنه امتنع عن الدخول فى مواجهة معه لأنه يخاف الله رب العالمين، لكن هذا النوع من البشر النبلاء يتسببون فى أحوال فى ترك مساحات الحياة للبشر كى يتمدد فيها ويسممها.
فترك رحى الحياة فى يد أولاد «قابيل» يؤدى فى أغلب الأحوال إلى تدميرها، تلك الرحى التى تمتاز بوجهين، وجه يطحن من أعلى، ووجه يتحمل الضغط من أسفل، أما الحنطة فتذهب إلى اليد التى تطحن.