تحويلات المصريين فى الخارج بدأت تزيد خلال الفترة الأخيرة على 30 مليار دولار، وقد أعلن البنك المركزى أوائل الأسبوع الحالى تسجيل زيادة فى هذه التحويلات تبلغ 18.7 دولار خلال النصف الأول من عام 2021، مقارنة بـ17 مليار دولار خلال الفترة نفسها من العام الماضى.
الأرقام تقول إن الثروة البشرية من المصريين العاملين بالخارج باتت تقدم للاقتصاد المصرى رقماً من العملة الصعبة يعادل -إن لم يزد- مجموع ما تقدمه مصادر الدخل الدولارى الأخرى.
تثير هذه الأرقام من جديد الحديث القديم المتجدّد عن المتعلمين وخريجى الجامعات وقيمتهم كمصدر لإنعاش الاقتصاد المصرى، فأغلب العاملين بالخارج هم من خريجى جامعاتنا بأطيافها المختلفة، أو من العمالة الفنية الماهرة.
ويحصل هذا القطاع من العاملين بالخارج على دخول جيدة تساعدهم على العيش فى الغُربة، وفى الوقت نفسه تحويل نسبة معتبرة من مدخولاتهم الشهرية إلى مصر.
وحقائق الوقت تقول إن الطلب يتزايد إقليمياً ودولياً على الخبرات العلمية المتميّزة، خصوصاً فى مجالى الطب والهندسة.
يكفى أن نُشير فى هذا السياق إلى أن دولة مثل ألمانيا ترحّب بخريجى الطب من أى دولة على أراضيها، ليواصلوا تعليمهم العملى فى جامعاتها ومعاملها ومستشفياتها، ليعدوا كأطباء يعملون لصالح الدولة.
لك أن تتصور الرقم الذى يمكن أن تصل إليه تحويلات المصريين العاملين فى الخارج، لو تم التوسّع فى تعليم وتخريج الطلاب فى التخصّصات المطلوبة إقليمياً وعالمياً.
الجامعات الحكومية على سبيل المثال مطالبة بالتوسّع فى هذه التخصّصات قدر ما تتيح لها قدرتها على الاستيعاب، أما الجامعات الخاصة والأهلية فمطالبة بالتواضع فى المصروفات.
وهذا يتيح لشرائح اقتصادية معيّنة فرصة الالتحاق بكليات الطب والهندسة، حتى تتمكن -فى أقل تقدير- من استيعاب العدد المناسب من الطلاب، فى مواجهة ما حدث هذا العام من وجود الكثير من الأماكن الشاغرة داخل بعض الكليات بها، بسبب ارتفاع مصروفاتها.
الحكومة لا بد أن تنظر إلى الأمر بعين الاعتبار، فلا تبخل على تمويل الامتدادات الجديدة للجامعات الحكومية، لكى تتوسّع فى خريجى الطب والهندسة والحاسبات والأفرع المختلفة لاقتصاد المعرفة، وفى الوقت نفسه عليها أن تشجع الجامعات الخاصة على خفض المصروفات من خلال مبادرة تتبناها بخفض مصروفات الجامعات الأهلية.
بإمكان الحكومة أيضاً أن تمول بعض المنح الدراسية لخريجى الثانوية العامة الذين حصلوا على مجاميع تؤهلهم لدراسة تخصصات معينة، لكنهم لا يملكون دفع المصروفات، سواء تمويلاً كاملاً أو بنصف مصروفات.
بل تستطيع الحكومة أن تخصص مبلغاً معتبراً تمول به قروض تعليم للطلاب المؤهلين للدراسة فى تخصّصات معينة، دون أن تكون جيوبهم مؤهلة لذلك، على أن يلتزم الطالب بسداد هذا القرض عندما يلتحق بعمل بعد التخرج، كما يحدث فى الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الدول التى ظهرت بها فكرة «القروض التعليمية».
لا بد أن يمتد أفق الاستثمار والتنمية ليشمل وضع ضوابط دقيقة لإتاحة التعليم الجامعى لكل من هو مؤهل له، كجزء من الاستثمار فى البشر.