توقيت القاهرة المحلي 20:55:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

العنقاء «الجركسية»

  مصر اليوم -

العنقاء «الجركسية»

بقلم - د. محمود خليل

لم يختف الجراكسة من مسرح الحكم في مصر بعد مذبحة القلعة الشهيرة عام 1811، بل ظلوا كعهدهم جزءاً من تركيبة "الجندية"، خصوصاً بعد أن اتجه محمد علي إلى إنشاء جيش نظامي من المصريين، واعتمد على من بقي من الجراكسة وأبنائهم كضباط، تم تدريبهم على يد سليمان باشا الفرنساوي.ولم يكن هذا التوجه يعجب الخديو سعيد الذي خطب في الجنود ذات مرة –كما يحكي عرابي في مذكراته- وعبر لهم عن حزنه على هذه البلاد التي تقلب عليها الأجانب من كلدانيين وفرس، ثم أشار إلى الجركس، وصنفهم في فئة الأجانب الذين تعسفوا مع المصريين، ووصفهم بأنهم "يفسدون في الأرض ولا يصلحون" ثم استطرد قائلاً: "وإني عزمت على تثقيف أبناء البلاد وتهذيبهم وترقيتهم حتى تكون الحكومة بأيديهم، بصفة كوني مصرياً منهم وبالله الاستعانة".منذ عهد "سعيد" تم فتح باب الترقية أمام المصريين، مثلهم مثل الجراكسة، فترقى أحمد عرابي إلى قائمقام وهو الذي كان بالأمس نفر، لكن الأمور سارت عكس ما كان يحلم به الزعيم، فقد مات "سعيد" الذي كان عطوفاً على المصريين –كما يحكي عرابي- وتولى حكم البلاد من بعده الخديو اسماعيل، الذي كان منحازاً إلى الجراكسة، خصوصاً الأميرألاي خسرو باشا ومصطفى باشا سليم، وقد تآمر الاثنان ضد "عرابي" حتى تم فصله من الخدمة. عاد "عرابي" إلى الخدمة بعد أن تقدم بطلب عودة إلى عطوفة الخديو، وذلك في عهد ناظر الجهادية حسين باشا كامل، وتم قبوله منه.اختلفت أمور كثيرة بعد عزل الخديو اسماعيل وتولية الخديو توفيق، وصعود عثمان باشا رفقي "الجركسي" إلى نظارة الجهادية في وزارة مصطفى باشا رياض. وصف "عرابي" ناظره "رفقي" بالجهل والعجب، ويبدو أنه كان يمثل في نظره تجسيداً لفكرة الأرستقراطية الجركسية، وسيرة الرجل تدلل على ذلك بصورة أو بأخرى، إذ من المشهور عنه أنه كان يتعامل مع المصريين من الفلاحين وأولاد البلد بقدر كبير من الكبر والتعالي، وقد اتخذ قراراً بمنع ترقياتهم، ومن كان منهم يشغل موقعاً مهماً نحاه عنه وولى مكانه جركسياً، كما حدث مع خورشيد نعمان بك وهو جركسي حل محل الأميرألاي عبد العال حلمي.ويحكي أحمد عرابي في مذكراته واقعة عجيبة مثلت إحدى مقدمات الثورة التي قادها ضد الخديو توفيق عام 1882، وتتعلق باجتماعات متعددة قام بها الجراكسة تحت قيادة خسرو باشا الفريق، ذكر فيها أن الجراكسة جلسوا "يتذاكرون في تاريخ دولة المماليك في كل ليلة بحضور "رفقي" باشا –ناظر الجهادية، ويلعنون فيها حزب عرابي، ويقولون قد حان الوقت لرد بضاعتنا، وإنهم لا يغلبون من قلة، وظنوا أنهم قادرون على استخلاص مصر وامتلاكها كما فعل أولئك المماليك".أمران يمكن أن تستخلصهما من هذه الواقعة، أولهما أن المذبحة التي قام بها محمد علي عام 1811 ضد المماليك لم تقض على الجراكسة، فالواقعة التي تدور بعد المذبحة بحوالي 71 سنة يتحدث فيها عثمان رفقي وجراكسته أنهم لن يهزموا اليوم من قلة، مما يدل على إحساسهم بالتمكن من رقبة الدولة، ثانيهما أن الخصومة بين الأرستقراطية الجركسية والطبقة الشعبية النامية انفجرت، وأصبح المكتوم علنياً، وبات كل طرف يحاول أن يقضي على الطرف الآخر.وانتهى المشهد كما تعلم بهزيمة العرابيين.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العنقاء «الجركسية» العنقاء «الجركسية»



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 20:31 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

التعادل السلبى يحسم مباراة تشيلسي وايفرتون

GMT 04:44 2018 الأربعاء ,19 أيلول / سبتمبر

رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان يصل إلى السعودية

GMT 11:41 2018 الثلاثاء ,17 تموز / يوليو

شيرين رضا تكشف سعادتها بنجاح "لدينا أقوال أخرى"

GMT 09:36 2018 الأحد ,01 تموز / يوليو

دراسة تنفي وجود "مهبل طبيعي" لدى النساء

GMT 10:26 2018 السبت ,07 إبريل / نيسان

" لفات الحجاب" الأمثل لصاحبات الوجه الطويل
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon