بقلم: د. محمود خليل
ثلاث ملاحظات يصح أن نسجلها على واقعة إحالة 5 معلمين بالمنصورة للنيابة الإدارية (من بينهم معلمة) بتهمة الرقص على مركب نيلى أثناء رحلة نظمتها نقابة المعلمين فى غرب المنصورة.
الملاحظة الأولى تتعلق بالطرف الذى قام بالإبلاغ عن الواقعة على اعتبار أنها تمثل خرقاً للأعراف والتقاليد التربوية رغم أنها تمت بعيداً عن أى مؤسسة تربوية، هذا الطرف يتمثل فى عدد من زملاء المعلمين الخمسة، الذين تقدموا بشكاوى مرفق بها أسطوانة تحتوى على مقاطع مصورة ترصد الواقعة.
الفرح بالتصوير ثم التشيير وركوب التريند على مواقع التواصل بات جزءاً من ثقافة الحياة اليومية لدينا، ذلك إذا صح أن نصف ما نحكى عنه بالخروج عن حدود الطبيعى والمألوف. ولو كان المعلمون الشاكون غيورين على ما يزعمون أنه القيم التربوية ويرون أن لحظة انطلاق إنسان فى رحلة تمثل خرقاً لها لتوجهوا بالنصح إلى زملائهم ولاحتووا الموقف وانتهينا على كده.
نحن نعيش زمناً باتت الفتنة بالتصوير أكبر من أى فتنة أخرى، بصورة تدفع البعض إلى عدم تفويت أى فرصة لتصوير اللحظات الإنسانية الطبيعية أو الاستثنائية أو المثيرة أو المفجعة من أجل الظهور فى ثوب المدافع عن القيم والأخلاق والأهم الانضمام إلى قافلة التريند على مواقع التواصل.
الملاحظة الثانية تتعلق بالمعلمة الضحية التى رأى حراس الفضيلة ممن قاموا بتصويرها وما أحدثته الواقعة من إرباك وتوترات فى حياتها. لقد سجلت فى حوار لها مع موقع «أخبار اليوم» المأساة التى وجدت نفسها فيها فجأة: «كل ما حد من عيالى يشوف الفيديو يقولوا لى فيه إيه يا ماما، تسبب الفيديو فى مشاكل لى وفى بيتى وأهلى وأسرتى.. حصلت مشاكل بينى وبين زوجى، أنا ما كنتش أعرف إنى بتصور، ولو كنت أعرف إنه فيه حد بيصور أكيد كنت رفضت.. الموضوع كان مع زملاء فى حفلة نيلية، وكان ترفيه وبنفك عن الكبت.. أنا باخد 24 حصة فى الأسبوع ومكبوتة جداً.. يعنى هو حرام الواحد يفك عن نفسه شوية؟».
هل يفهم حراس الفضيلة من زملاء المعلمة معنى إرباك حياة إنسانة لها أولاد وزوج وأسرة وعائلة كل ذنبها فى الحياة أنها أرادت أن تعيش لحظة عابرة تفك فيها عن القهر والمعاناة التى تعيشها؟.. وللعلم هذه المعلمة تعمل متطوعة فى زمن شح فيه المدرسون بالمدارس.
النكتة تجدها فى الملاحظة الثالثة تتعلق بنقابة المعلمين التى وصفت الواقعة بأنها تمثل إهداراً لـ«هيبة المعلم». وحقيقة الأمر فإننى لا أفهم المعنى الذى تعنيه النقابة بالهيبة، خصوصاً أن الواقعة تمت فى سياق رحلة خاصة تستوعب ذلك وليس فى مدرسة. الهيبة كما أفهمها أساسها احترام آدمية البشر وكرامة الإنسان. فساعات العمل المتوازنة جزء من هيبة المؤسسة.. والمرتب الذى يقيم صلب الإنسان جزء من الهيبة.. وعدم التدخل فى الخصوصية جزء من الهيبة.. واحترام حق الإنسان فى ممارسة اللهو البرىء جزء من الهيبة.
بصراحة نحن بحاجة إلى إعادة نظر فى موضوع «الهيبة» فى مجتمع بات «سداح مداح».