توقيت القاهرة المحلي 20:55:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الرجل و«الأربعة شلن»

  مصر اليوم -

الرجل و«الأربعة شلن»

بقلم - د. محمود خليل

يصف إدوارد لين في كتابه "عادات المصريين المحدثين وتقاليدهم" المصريين قائلاً: "والمصريون عنيدون صعبو المراس".. العناد جزء من شخصية المصري وإن بدا منه عكس ذلك، وقصص العناد التي كان يتناقلها الناس فيما بينهم أيام الوالي محمد علي باشا تشهد على ذلك، من النماذج على ذلك هذه القصة التي تحكي موقفاً عجيباً عاشه أحد الفلاحين بسبب "اربعة شلن" كان مطلوباً منه دفعها.أحضر شيخ البلد الفلاح وأمره بدفع الأربعة شلن، فرد عليه بأنه لا يملك شيئاً، فأمر شيخ البلد بضربه، فاجتمع "الضرّيبة" على الرجل وأوسعوه ضرباً بالفاركيلة (الخرزانة) والكرابيج، أخذ المسكين يصرخ بأنه لا يملك من حطام الدنياً شيئاً، ولو كان معه لعتق نفسه به، وأخذ يسترحمهم، لكن الجلاد لا يملك أن يتوقف إلا بتوجيه من آمره، والآمر يستعذب ألم المسكين، لذا فقد تركهم يضربونه حتى تاه عن الدنيا، وفقد وعيه ولم يعد للضرب أثر عليه، هنالك تركوه.ساعد الأهالي الرجل على القيام، بعد أن أمر شيخ البلد بتركه، وبينما كان يسير مهزوزاً عاجزاً عن صلب طوله، إلا أن تسنده أيدي الناس، الذين أخذوا يرثون لحاله، وللعقاب الساحق الماحق الذي وقع عليه بسبب هذا المبلغ التافة "أربعة شلن"، بينما كان ذلك كذلك إذا بأحد جلاديه يشيعه وهو في طريقه إلى الرحيل بصفعة مدوية على قفاه كفته على وجهه، لتندفع من فمه قطعة معدنية عبارة عن ريال فضة، وهي قيمة المبلغ المطلوب، فقز إليها الفلاح الموجوع والتقطها، ثم أعادها إلى مكمنها، وحمد الله أن صافعه غرق في الضحك عليه، ولم ينتبه إلى ما حدث.عاد الفلاح سعيداً إلى قريته، يباهي نفسه بالاحتفاظ برياله الفضة، ويتباهى أمام أبناء جلدته بقدرته الخاصة على التحمل، وأنه تمكن من استيعاب عدد من الضربات والصفعات والجلدات عجز فلان أو علان من أهل القرية عن تحمل نصفه، واخذ يعدد لمن حوله ما تركه الضرب في جسده من ندوب ولسعات.إنه العناد وصعوبة المراس اللذين ميزا الإنسان المصري البسيط، مهما بدا متذللاً مستعطفاً أمام الجهات القادرة على عقابه، إنه يمكن أن يهاود أي سيد يوجه له أوامر معينة، لكنه في النهاية لا يفعل إلا ما في رأسه.يقول إدوارد لين: "نادراً ما نجد عاملاً مصرياً ينفذ أمراً يطلب منه، فهو يفضل اتباع رأيه الخاص بدلاً من رأي سيده، لذا لا ينهي قط عمله في الوفت المحدد".ليس هناك من تفسير لهذا العناد سوى القهر. فالمصري الذي يتحدث عنه "لين" كان يعاند سيده الذي يقهره. فالسيد أو ولي الأمر يكتفي بتوجيه الأوامر، دون أن يجهد نفسه في شرحها وتوضيح مغزاها والأسباب التي دعته إليها، وهو يفترض أن البني آدم الذي يقف أمامه، هو مجرد آلة لا تحتاج إلى أن تفهم لماذا تفعل هذا أو ذاك، بل عليها السمع والطاعة، وذلك ما يدفع المصري إلى العناد.القهر سر العناد.. كما يجعل من ضحاياه أساتذة في لعبة "التذلل والانكفاء".

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الرجل و«الأربعة شلن» الرجل و«الأربعة شلن»



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 20:31 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

التعادل السلبى يحسم مباراة تشيلسي وايفرتون

GMT 04:44 2018 الأربعاء ,19 أيلول / سبتمبر

رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان يصل إلى السعودية

GMT 11:41 2018 الثلاثاء ,17 تموز / يوليو

شيرين رضا تكشف سعادتها بنجاح "لدينا أقوال أخرى"

GMT 09:36 2018 الأحد ,01 تموز / يوليو

دراسة تنفي وجود "مهبل طبيعي" لدى النساء

GMT 10:26 2018 السبت ,07 إبريل / نيسان

" لفات الحجاب" الأمثل لصاحبات الوجه الطويل
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon