بقلم: د. محمود خليل
يعبِّر التطرف عن حالة تبنٍّ للآراء الشاذة «الإكستريم»، والابتعاد عن الآراء الوسطية السائدة «المين ستريم»، يستوى فى ذلك التطرف الدينى، مع السياسى، مع الاجتماعى، مع الأشكال الأخرى للتطرف.
عند تناول قضايا المجتمع من الواجب عدم اختيار نماذج شاذة، ثم بناء اتجاهات عامة على أساسها. على سبيل المثال ليس من الموضوعية أن ننتقى معنى معيناً يتعلق بتفسير آية قرآنية، ونقول إن ذلك ما قال به المفسرون، فى الوقت الذى تثبت فيه المراجعة المتأنية أنهم قالوا فى تفسيرهم للآية هذا المعنى وغيره.
يقول الله تعالى فى كتابه الكريم: «وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِى جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً».. يذكر «ابن كثير» -ومعه العديد من المفسرين- عند شرح معنى الآية أن الله تعالى ينهى عن تمكين السفهاء من الأموال التى تقوم عليها حياتهم، والسفهاء أقسام: فتارة يكون الحجْر لصغر السن، وتارة للجنون، وتارة لسوء التصرف ونقص العقل أو الدين، ثم أشار إلى قول «ابن عباس» فى المقصود بالسفهاء: «المرأة» وقول الضحاك: «النساء والصبيان».
«ابن كثير» وغيره من المفسرين ينقلون كل الاجتهادات التى قدمت، وواضح أن الرجل يتبنى المعنى الأكثر منطقية للسفاهة، بما تعنيه من فقد العقل أو الرشد.
ليس من الموضوعية أن ينتقى البعض ما نقله ابن كثير وغيره من أقوال فى أن المقصود بالسفهاء: «المرأة»، ونبنى على ذلك رأياً.. الانتقائية تتنافى مع قواعد المنهجية فى التفكير وتؤدى إلى استخلاصات مغرضة، وهى تعكس الوجه الذى نتحدث عنه للتطرف الاجتماعى الدينى الذى ينتقى بعض الآراء الشاذة ويبنى عليها رأياً يذهب إلى أن الإسلام يتبنى موقفاً هادراً للمرأة ومهدراً لحقوقها، ويبلغ الشطط مداه لدى بعض المتطرفين الاجتماعيين، حين يصادرون على تراث تفسير الكتاب الكريم، تأسيساً على رأى أو استخلاص نبت فى سياق مغاير تماماً للسياق المعاصر الذى نعيش فيه.
ليس ثمة فرق فيما يتعلق بمنهجية التفكير بين من يتبنى هذا الطرح، وبين من يرددون أن النقاب فرض على كل امرأة وأنه جزء لا يتجزأ من الزى الشرعى لها، وبالتالى فى منسوب التطرف.
أصحاب الرأيين متطرفان غير مفيدين، بل هما مصدر خطر، خصوصاً حين يتجه أحدهما إلى التحريض على الآخر.. الموضوعية تتناقض مع فكرة التحريض على الغير.. فمن حق كل إنسان أن يكون له رأيه، على أن يترك للآخرين أيضاً فرصة الإدلاء بآرائهم، دون أن يسعى طرف إلى فرض وصايته على الآخرين.
الوسطية لا تدخل فى شىء إلا ووزنته وأدت إلى تفاعل أفضل ما بين البشر، وأخذت بيد المجتمع إلى قدر أكبر من الاستقرار، أما التطرف سواء كان دينياً أو اجتماعياً أو غيره فيسوق البشر إلى نوع من الاستقطاب الذى يتسبب فى سيطرة قيم التنافر والكراهية والتحريض، ولا يستطيع مجتمع مهما كانت صلابته أن يأمن عاقبة ذلك.