توقيت القاهرة المحلي 22:20:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«أهو ده اللي جرى»

  مصر اليوم -

«أهو ده اللي جرى»

بقلم - د. محمود خليل

في العصر الذي وُصف بأنه كان عصر من الفن على حد تعبير الراحلة نعمات أحمد فؤاد في كتابها عن "أم كلثوم"، خرج علينا الشاعر المبدع "بيرم التونسي" بأغنية يدعو فيها "أهل المغنى" إلى السكوت عن الكلام المباح، ويردد: يا أهل المغنى دماغنا وجعنا.. دقيقة سكوت لله.. دا احنا شبعنا كلام ما له معنى.. يا ليل ويا عين وياه".

قد تعجب حين تقرأ هذا الكلام لـ"بيرم التونسي"، أحد كبار "أسطوات المغنى" في زمن الفن الجميل، ويدعو فيه يستحلف "أهل المغنى" بالسكوت ولو دقيقة بسبب ما أصابه والمستمعين من صداع، لكن العجب يزول حين تقرأ السبب الذي عرضه الشاعر الكبير وبرر به دعوته: "دا احنا شبعنا كلام ما له معنى".

بمثل هذا الفكر وعبر هذه الدعوات تنصلح الأمم.. فالشاعر لا يريد كلاماً عابثاً يفارق الواقع ويزيفه، ويدعو إلى إنتاج كلام "له معنى"، أي يعبر عن الواقع الحقيقي الذي يعيشه الناس، ويعتبر الكلمات التي تضلل المستمع عن واقعه عملة مزيفة، لا تجلب لصاحبها أية منفعة، بل قد تتسبب في أذاه.دعوة أهل المغنى إلى السكوت، تلك التي تبناها "بيرم" ارتبطت بزمن لم يكن قد اجتاحته العبث، كما حدث في حقب تالية، لكن اللا شىء كان موجوداً، وكان له سككه وطرقه، وأيضاً محبوه، لكنه لم يكن يشكل تياراً سائداً، ورغم ذلك التفت إليه الشاعر المبدع، وكذلك شأن العقل المنشغل بالمعنى حين يوجعه العبث.

ربما توجع "بيرم" أيضاً من بعض ما كان يسمعه في زمانه من كلام منظوم بصورة تكسبه معنى شكلياً، لكنه يحمل الوهم في باطنه.. تُرى ماذا كان يقول الرجل في شعر المناسبات، مثل ذكرى جلوس الملك على عرش البلاد، وذكرى ميلاد ولي العهد؟.. كيف كان يقيّم اللطميات التي يحملها شعر الرثاء؟ كيف كان يزن شعر المدح ومواويل المديح التي كنت تكال فيها الأوصاف الكبرى "عمال على بطال"، الأوصاف التي كانت تمتدح حلم الغضوب، وجمال القبيح، وعلم الجهلة، وحكمة الحمقى، وغير ذلك؟الواضح أن المعنى في نظر بيرم كان واقعاً وليس لغة.

فكل كلام يفارق الواقع هو كلام فارغ، حتى ولو كان له معنى على مستوى اللغة، لأن صاحبه يستخدم اللغة في غير غرضها، حين يوظفها كوسيلة للتستر على الواقع، رغم أن البشرية تصالحت على وظيفة أساسية للغة منذ اختراعها، تتمثل في الإفشاء والكشف عن المكنون الحقيقي للذات، ورؤيتها الموضوعية للواقع.توفي الشاعر الكبير بيرم التونسي يوم 5 يناير عام 1961، مختتماً رحلته مع الشعر والزجل بأغنية "الهوى غلاب"، وتصادف أن كانت حفلة أم كلثوم الشهرية يوم وفاته (يوم الخميس الأول من شهر يناير)، فأصرت على مخاطبة روحه وهي في طريقها إلى السماء بهذه الأغنية الأثيرة.

الهوى الغلاب كان عنواناً لمرحلة غلب فيها الوهم على الواقع، والخيال على الحقيقة، الهوى الذي وصفه الشاعر بأنه يأتي بغير مواعيد: "جاني الهوى من غير مواعيد"، لم يتصور الشاعر أنه سيحلق به بعيداً عن الواقع: "محسبش يوم هياخدني بعيد"، يمنيه بالأفراح والإنجازات ليعود منها بالأتراح والانكسارات "يمني قلبي بالأفراح.. وأرجع وقلبي كله جراح".أهو ده اللي جرى!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«أهو ده اللي جرى» «أهو ده اللي جرى»



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 08:05 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 18 نوفمبر /تشرين الثاني 2024

GMT 10:55 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

دوناروما يؤكد ان غياب مبابي مؤثر وفرنسا تملك بدائل قوية

GMT 09:55 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 08:31 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 07:27 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

هند صبري بإطلالة أنثوية وعصرية في فستان وردي أنيق

GMT 04:33 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونسكو تعزز مستوى حماية 34 موقعًا تراثيًا في لبنان

GMT 13:08 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نيمار يشتري بنتهاوس بـ 200 مليون درهم في دبي

GMT 07:25 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزالان بقوة 4.7 و4.9 درجة يضربان تركيا اليوم

GMT 03:12 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

ليليا الأطرش تنفي تعليقاتها عن لقاء المنتخب السوري

GMT 18:33 2017 الأربعاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ميا خليفة تحضر إلى لبنان في زيارة خاصة

GMT 14:47 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

الحضري على رأس قائمة النجوم لمواجهة الزمالك

GMT 11:13 2018 الأربعاء ,11 إبريل / نيسان

ما وراء كواليس عرض "دولتشي آند غابانا" في نيويورك
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon