توقيت القاهرة المحلي 10:49:55 آخر تحديث
  مصر اليوم -

آخر الفتوات المحترمين

  مصر اليوم -

آخر الفتوات المحترمين

بقلم: د. محمود خليل

بعد ملحمة «الحرافيش» لم يستحضر نجيب محفوظ مشاهد الفتوات داخل أعماله الروائية إلا مرة واحدة، إن لم تخُنى الذاكرة، وكان ذلك فى رواية «الحب تحت المطر» التى عالج فيها أحوال الحياة فى مصر خلال الفترة ما بين نكسة 1967 وانتصار أكتوبر 1973.

تعرض المبدع الراحل خيرى شلبى لمسألة نهاية عصر الفتوات فى روايته البديعة «نسف الأدمغة» وأشار إلى أن ذلك حدث بعد قيام ثورة يوليو 1952 وطرد الملك فاروق من مصر، وعزا انهيار نظام الفتونة إلى فتوة بولاق الشهير «إبراهيم كروم» الذى أحب أن يجامل جمال عبدالناصر خلال زيارته للمنطقة، فعلق لافتة من القماش بعرض شارع الجلاء كتب عليها بالخط الكبير: «فتوة بولاق يرحب بفتوة العرب جمال»، وهو ما لم يعجب جمال عبدالناصر.

الحقيقة التاريخية تقول إن «إبراهيم كروم» آخر الفتوات المعروفين فى الأحياء الشعبية. ولو أنك رجعت إلى مذكرات العديد من قيادات الإخوان خلال فترة الحكم الملكى فستجد إشارات متنوعة تؤكد أن «كروم» انضم إلى الجماعة أو فى أقل تقدير كان من المحبين لها، وأنه كان يحب الاستماع لأحاديث حسن البنا، ويصاحبه حين يزور بولاق أو يعقد أحد مؤتمراته فيها.

بعد قيام ثورة يوليو كان «كروم» من أشد المتحمسين لها، والتقى عدداً من رجالها، وكان من أكثر المبشرين بأفكارها ومبادئها بين حرافيش بولاق والمناطق الشعبية المحيطة بها، والرجل كما يحكى من عاصروه كان شديد التعاطف مع الفقراء والمساكين وحريصاً كل الحرص على حمايتهم والدفاع عن حقوقهم. ولو صح ما حكاه «خيرى شلبى» فقد كان هناك نوع من التوافق النفسى بين إبراهيم كروم المدافع عن «الحرافيش» وتوجهات جمال عبدالناصر الذى رفع منذ الوهلة الأولى لظهوره على مسرح الأحداث حماية البسطاء والفقراء والدفاع عن حقوقهم.

اتهم إبراهيم كروم بالانضمام للإخوان وتم القبض عليه لهذا السبب أكثر من مرة، وتوفى عام 1963، وأقيمت له جنازة مهيبة تمازج فيها التمثيل الشعبى مع الرسمى.

من ضمن الشخصيات التى تجدها حاضرة فى رواية «الحب تحت المطر» لنجيب محفوظ شخصية «عشماوى» الفتوة الشهير الذى تقاعد بعد ثورة يوليو 1952، وكانت له صولات وجولات قبلها، ورغم تقدمه فى العمر فإنه ما زال يحتفظ بهيكله الضخم، بصورة تؤشر إلى صموده فى مواجهة الزمن وعوادى الحياة. تصور الفتوة الطيب أن كل شىء فى الحياة «عركة نبوت» بما فى ذلك الحرب، وجاء ذات يوم وهو مجلل بإحساس بالهزيمة والعار، حين سمع أن اثنين من شباب «درب الحلة» بباب الشعرية، وكانت تحت حمايته فى الماضى، أصيبا على الجبهة فى حرب الاستنزاف، فحزن بشدة ولعن الزمن الذى أكل صحته وفتوته وأعجزه عن الثأر لأولاد منطقته.

بدا نجيب محفوظ متأثراً بعض الشىء بشخصية «إبراهيم كروم» وهو يرسم شخصية «عشماوى»، خصوصاً على مستوى الملامح الإنسانية التى تقدم لنا فتوة نبيلاً يخلص كل الإخلاص للبسطاء والمستضعفين من أهل المنطقة التى تستظل بحمايته، ويعيش عذاباً مستطيراً أمام شيخوخته وعجزه عن حماية أهله.

انتهاء زمن الفتوة صاحب النبوت كان إيذاناً باختفاء الصورة التقليدية لـ«الحرفوش»، ليظهر فتوات بأدوات مختلفة، وحرافيش من طراز فريد وبصور جديدة «لانج».

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

آخر الفتوات المحترمين آخر الفتوات المحترمين



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفكار لجعل المطبخ عمليًّا وأنيقًا دون إنفاق الكثير من المال

GMT 22:21 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

عباس النوري يتحدث عن نقطة قوة سوريا ويوجه رسالة للحكومة

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 09:13 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

GMT 19:37 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

مصر تُخطط لسداد جزء من مستحقات الطاقة المتجددة بالدولار

GMT 13:21 2018 السبت ,06 تشرين الأول / أكتوبر

الأهلي يتعاقد مع "فلافيو" كوم حمادة 5 سنوات

GMT 09:19 2021 الأربعاء ,17 آذار/ مارس

تأجيل انتخابات «الصحفيين» إلى 2 أبريل المقبل
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon