بقلم :د. محمود خليل
لا يمكن لأى مؤسسة خدمية أن تؤدى الدور المطلوب منها، إن لم تعتمد على سياسات الإحلال والتجديد، وتتجه إلى تعويض الكوادر التى تخرج منها بكوادر أخرى شابة وجديدة تضيف إلى مستوى الخدمة المزيد من الجودة.
طبقاً لما ذكره خلف الزناتى، نقيب المعلمين، عام 2020، يخرج كل عام من خدمة التربية والتعليم بالمدارس 50 ألف معلم بالإحالة إلى التقاعد، دون أن يتم تعويضهم بمعلمين جدد من خريجى كليات التربية. زمان كان يتم تكليف هؤلاء الخريجين للعمل بمدارس الدولة، لكن هذا النظام تم إلغاؤه، ولم تعد هناك بالتالى فرصة لتعويض المعلمين المحالين إلى التقاعد.
وفى ظل سياسة التطوير التى تنتهجها الوزارة حالياً هناك توجه نحو تقليل الكثافة بالفصول، وبناء عليه يتم تقسيم الطلاب على عدد أكبر من الفصول، أو فترتين تعليميتين (صباحية ومسائية)، ما يعنى أننا بحاجة إلى تعويض من يخرج من المعلمين إلى المعاش بمعدل الضعف، حتى نتمكن من تغطية احتياجات التدريس.
تقليل الكثافة بالفصول أصبح واجب الوقت بعد مشاهد التزاحم الكبير داخل مدارس الحكومة، الذى تحولت معه بعض الفصول إلى «علب سردين»، وقد تفتقت قريحة الوزارة عن حل «التقسيم» فى مواجهة هذه المشكلة، لأن إنشاء 250 ألف فصل جديد يتكلف 120 مليار جنيه، كما صرح الوزير طارق شوقى.
طرح الوزير فى مواجهة النقص الحاد فى عدد المعلمين فكرة الاستعانة بمتطوعين، يحصل المتطوع منهم على 20 جنيهاً مقابل الحصة. وطالب أولياء الأمور بدفع المصروفات حتى تتمكن الوزارة من الاستعانة بالمتطوعين، وتتمكن من دفع 20 جنيهاً فى الحصة لمن تطوَّع لأداء المهمة.
نحن لسنا بصدد حلول حقيقية للمشكلات التى تعانى منها المدارس سواء على مستوى العجز فى المدرسين أو عدد الفصول، بل أمام نوع من «التلصيم» سوف يؤدى إلى المزيد من التفاقم للمشكلة.
عندما يعلو صوت «التطوير» على صوت «الإصلاح» يقع الإنسان فى شرك «التلصيم»، لأنه ببساطة يضع العربة أمام الحصان. فأى نظام تريد تطويره لا بد أن يخضع أولاً لجهود «إصلاح»، ثم طوره بعدها كما تشاء، وإلا تحول «التطوير» إلى مجرد شعار. ولتحسب وزارة التربية والتعليم ما أنفقته على خطة التطوير، وتقُل لنا عوائدها، ونحسب لها بعد ذلك النتائج التى كان يمكن الحصول عليها لو وُجّه هذا الإنفاق إلى الإصلاح وحل مشكلات العجز فى المدرسين والفصول.
نحن أمام مشهد غريب، تستطيع أن تجد مشاهد شبيهة له فى العديد من المؤسسات، التى أصبحت تعتمد هى الأخرى على منهجية «التلصيم»، وباتت تدار بمجموعة من الهواة، الذين يغلوشون بشعارات التطوير على الجهد المطلوب لإصلاح حقيقى.
تظل المؤسسات التى لا تعتمد على سياسات إصلاح حقيقى، قائمة وصالبة لطولها، حتى يظن من يراها من الخارج أنها بخير وعلى ما يرام، ومن الوارد أن ينخدع من يطلع على حالها بشعارات التطوير التى ترفعها، ويظل الحال كذلك حتى آخر دقائق، لتأتى بعدها لحظة عجز وانهيار.