بقلم: د. محمود خليل
كثيراً ما يتردد على لسان البعض بعد أى معاملة مع الغير: «الناس مبقتش زى الأول».. والسؤال: هل فعلاً الناس مبقتش زى الأول؟
لا يطرح هذا السؤال إلا فى الحالات التى تسيطر على تعاملات الناس فيها أخلاقيات الأزمة.. الأزمات بطبيعتها تؤدى إلى ضغوط تدفع من يستسلمون لتداعياتها إلى التخلى عن أخلاقياتهم المعتادة المرتبطة بالظروف الطبيعية، والتعامل بأخلاق فظة مع بعضهم البعض.
هناك من البشر من لا يستطيعون تحمل الأوضاع الأخلاقية الاستثنائية التى تؤدى إليها ضغوط الحياة.. والنتيجة محاولة الهرب أو التنحى جانباً، والإضراب الصامت أو غير المعلن عن التعامل مع غيرهم.
يقول الرسول الكريم، صلوات الله وسلامه عليه: «مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وأما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، أو تجد منه ريحاً منتنة».
الجليس الصالح هو نموذج على البشر الذين يؤدون بأخلاقياتهم الطبيعية القائمة على العطاء والإيثار والصفح والتسامح وتحمل غيرهم، وجليس السوء نموذج على النماذج الإنسانية التى تؤدى بأخلاق الأزمة، حين يميل الفرد إلى استلاب غيره ونهب حقوقه وتعمد الإساءة إليه.
إنه الفارق بين المسك وما يشيعه فى الحياة من أحاسيس طيبة، والنار التى تأكل ما يقابلها.
الأخلاق فى كل الأحوال منظومة يتفاعل فيها التكوين الفردى مع الظروف المحيطة.. فلكل فرد تركيبته الأخلاقية الناتجة عن عوامل عديدة، منها الثقافة والتربية التى تؤثر على قدرته على الإحساس بالآخرين، فهناك من يحس بغيره، وهناك من يعبر على غيره بالتركيبة أو بالجبلة.
عندما تسيطر الظروف الضاغطة على الحياة تختلف مناسيب استدعاء الأخلاقيات الطيبة لدى كل من البشر المتمسكين بما تثقفوا ورُبوا عليه، والبشر العابرين على غيرهم أو اللا مبالين، فتجد جلساء المسك يجتهدون فى التحمل، ونافخى الكير يستسلمون لفكرة النار الموقدة بصورة تهدد من حولهم.
لا خلاف أن للناس عذرها حتى وهى تتخلى عن بعض أخلاقياتها الطيبة فى التعامل نتيجة ضغط الظروف.. فالظروف أحياناً ما تضغط على الفرد فتخرجه عن طوره المعتاد، لكن العاقل من يعرف كيف يعبر مثل هذه المواقف بأعلى درجات التصالح مع أخلاقياته، والعاقل أيضاً من يستوعب أن الظروف غير المواتية شرك بين كل الأجيال من البشر، بل وترتبط بطبيعة الحياة ذاتها التى لا تدوم على حال.
كل الأجيال تمر بظروف إيجابية مواتية، وأخرى سلبية ضاغطة.. والله تعالى هو الذى يدبر الأمر من قبل ومن بعد.. وعلى الإنسان أن يجتهد فى تحقيق معادلة «الجليس الصالح»، ويفهم أنه إذا اختار المعادلة البديلة: «نافخ الكير» فإنه سوف يدخن الحياة من حوله، ويصرف الناس عنه، وسوف يخسر بذلك كثيراً، لأنه لن يستطيع بحال الحياة دون غيره.