بقلم :د. محمود خليل
فى حالة اضطراب الواقع وتشوش التفكير يستقبل البعض ثورات الطبيعة كمؤشر ودلالة على خطر قادم أو أحداث جليلة يخبئها المستقبل.
البعض تفاعل على هذا النحو مع «بركان جزر الكنارى» الإسبانية، فتحدث معلقون عن غضب الطبيعة على البشر، وذهب آخرون إلى أن البركان -مثله مثل الزلازل والأعاصير- يمثل أداة يعاقب الله تعالى بها من يشاء من عباده، ويفلت منها ما يشاء.
بإمكانك أن تطالع الطرح الأخير -على سبيل المثال- عبر مراجعة تعليقات رواد السوشيال ميديا على «المنزل الإسبانى المعجزة» الذى نجا من حمم بركان جزر الكنارى، رغم احتراق كل المنازل المحيطة به، اعتبر المدونون والمغردون هذا المشهد معجزة بكل المقاييس، فرغم أن البركان أتى حتى كتابة هذه السطور على 400 منزل فأحرقها ودمرها تدميراً، كان هذا المنزل هو «الناجى الأوحد»، ولا يخفى عليك ما فى فكرة «الناجى الوحيد» من فلكلورية.
ليس هناك خلاف بالطبع على أن الطبيعة تتحرّك بإرادة الخالق العظيم، كما أن كل خطوة يخطوها الإنسان تقع بإذن الله، لكن البعض يخلط بين الزلازل والحمم والبراكين والأعاصير والرياح والحجارة وغيرها كأدوات أشار القرآن الكريم إلى أنها استُخدمت فى عقاب تجمعات الشرك والضلال، وبين النظر إلى هذه الظواهر الطبيعية كمسألة تحدث فى كل زمان ومكان ولا تحمل دلالة معينة على غضب السماء على الأرض أو تنذر بقدوم أحداث فارقة فى مسارات الحياة.
من المفهوم أن تجد التعامل مع هذه الظواهر فى الماضى مرتكناً إلى تفسيرات غير عقلانية، لأن العلم لم يكن قد تقدم بالصورة التى تفسرها، كما هو الحال اليوم.
كان من الطبيعى على سبيل المثال أن تجد رد فعل الشاعر «المتنبى» على الزلزال الذى حدث فى عصر كافور الإخشيدى أن يمتدح أبا المسك -لقب كافور- قائلاً: «ما زلزلت مصر من كيد ألم بها.. لكنها رقصت من عدلكم طربا».
كان من الوارد أيضاً أن تجد مؤرخاً مثل «الجبرتى» يربط بين الأحداث الكبرى المتعلقة بأوبئة أو بهزائم أو بغزو أو ضنك أو غلاء أو وباء وظهور بعض العلامات الطبيعية قبل أيام من وقوعها، مثل الزلازل، وسقوط الأمطار، والكسوف والخسوف، وغير ذلك، وهو ربط غير موضوعى، بل منشؤه الصدفة، لأن هناك أحداثاً أخرى كثيرة وقعت هزت أركان المصريين دون أن تسبقها أمارة أو علامة من العلامات التى كان يفتش عنها «الجبرتى».
من العجيب أن البعض لم يزل يعتمد على هذا الربط الناشئ عن الصدفة، ولا يكتفى بذلك بل يتجاوز ذلك إلى التأسيس على هذه الأحداث فى توقع حوادث المستقبل، وهو أمر يتنافى مع نظريات العلم المفسرة لهذه الظواهر.. نعم كل شىء يجرى بقدر الله، لكن الخالق جعل لكل شىء سبباً، والإنسان مطالب بتتبع الأسباب.
أغلب الظن أن جنوح البعض إلى الربط ما بين ثورات الطبيعة وأحداث الواقع يعبر عن حجم الأزمات المعيشية التى وقع فيها البشر فى كل مكان على سطح الكوكب جراء حالة التوتر والقلق والضغوط المالية التى تسبّبت فيها جائحة كورونا.