بقلم :د. محمود خليل
شهدت الأيام الأخيرة تمدداً ملحوظاً لجماعة طالبان بالعديد من المدن والمواقع، خصوصاً فى الشمال الأفغانى، فى وقت تحاول فيه القوات الحكومية -بزعامة أشرف غنى رئيس البلاد- تعديل الموقف على الأرض.
قرار «بايدن» سحب القوات الأمريكية من أفغانستان منح جماعة «طالبان» إشارة العودة للسيطرة على المشهد من جديد، وذلك ما تعودت عليه هذه الجماعة، التى تمكنت من حسم الحرب الأهلية التى اندلعت بين الفصائل الإسلامية فى أفغانستان عقب الانسحاب السوفيتى لصالحها، واستطاعت السيطرة على الحكم بشكل كامل منذ عام 1994 بمساعدة تنظيم القاعدة، وهو التنظيم الذى وضع أسامة بن لادن لبنته الأولى عندما بدأت القوات السوفيتية فى الانسحاب عام 1988.
وقد تبنى تنظيم القاعدة منذ نشأته فكرة «جهاد العدو البعيد»، ودشن ما يطلق عليه «تيار الجهاد الأممى»، وقد تمكن التنظيم من تدمير برجى التجارة العالميين فى الحادى عشر من سبتمبر 2001، لتبدأ الولايات المتحدة الأمريكية رحلتها فى الجهاد ضد الإرهاب، وتم توجيه ضربات موجعة للتنظيم، وضربات أخرى أشد قوة إلى جماعة «طالبان»، وهى الضربات التى نجحت فى تقزيم أدوار «القاعدة» وتحييد أدواره، لكن يبدو أنها لم تنجح بالمثل فى محاصرة «طالبان»، الأمر الذى دفع الأمريكان إلى البحث عن سياسة جديدة للتعامل مع المشهد الأفغانى المعقد.
السياسة الجديدة بدأت بقرار سحب القوات الأمريكية وإنهاء العمليات العسكرية فى أفغانستان يوم 31 أغسطس من العام الجارى، أى قبل أحد عشر يوماً من الذكرى العشرين لتدمير برجى التجارة فى 11 سبتمبر 2001.
صعود أدوار «طالبان» بعد انسحاب القوات الأمريكية يبدو طبيعياً، وذلك لعدة أسباب، أولها أنها الجماعة الأكثر تمدداً داخل أفغانستان بحكم أن أغلب منتسبيها ينتمون إلى القومية البشتونية وهى القومية التى تمثل نسبة 48% من السكان، وتتركز فى المنطقتين الشرقية والجنوبية من البلاد.
ثانى هذه الأسباب أن الجماعة منذ نشأتها على يد الملا محمد عمر تعتمد على مضخة كوادر لا تتوقف، تتمثل فى المدارس الدينية التى تزودها بشكل مستمر بعناصر جديدة شديدة التعصب، على المستويين العرقى والدينى.
«طالبان» تحاول الآن السيطرة على مناطق داخل الوسط والشمال الأفغانى، وتحاول القوات الحكومية هناك المقاومة، مدعومة فى ذلك بمجموعات شعبية مسلحة انتفضت ضد طالبان ووقفت تقاومها وتحاول الحيلولة بينها وبين المزيد من السيطرة، خصوصاً على المدن الشمالية.
وتدين بعض المدن الشمالية وكذلك الوسط الأفغانى بالمذهب الشيعى خلافاً لطالبان التى تدين بالمذهب السنى، وتخشى المجموعات الشيعية هناك من حرب تطهير مذهبى.
طبعاً هناك من يدعو إلى تدخل عسكرى دولى تقوده الولايات المتحدة الأمريكية من جديد من أجل إيقاف الزحف الطالبانى، وهى دعوات لا تجد صدى لدى الحكومة الأفغانية بل ورفضها مسئولون حكوميون بشكل رسمى لأنها سوف تعقد الموقف على الأرض أكثر.
الواضح أن الولايات المتحدة الأمريكية رأت أن تحل مشكلتها فى أفغانستان بطريقتها الخاصة، فقد سحبت قواتها من المشهد برمته وتركت طالبان السنية فى مواجهة المجموعات الشيعية، والتنظيمات المتطرفة المسلحة فى مواجهة القوات الحكومية.. إنها قاعدة «فرِّق تسُد» التى أثبتت نجاحها فى العديد من التجارب.