بقلم :د. محمود خليل
الملمح الأخطر فى عصر مبارك لا يرتبط بعدد ما نشأ فى عصره من جامعات حكومية بل يتعلق بظهور الجامعات الخاصة لأول مرة بعد قرار مجانية التعليم الجامعى عام 1962. وكانت باكورته 4 جامعات خاصة أنشئت عام 1996، أى بعد دخول مصر عصر الخصخصة، ثم توالى إنشاء هذه الجامعات، حتى وصل عددها إلى 27 جامعة، بما يساوى عدد الجامعات الحكومية.
يضاف إليها جامعات خاصة أخرى تحكمها قوانين خاصة أو اتفاقيات دولية، ويصل عددها إلى 7 جامعات، وجامعات تحكمها اتفاقيات إطارية يزيد عددها على 10 جامعات.
ويعنى ذلك أن عدد الجامعات بمصروفات بات يزيد كثيراً على عدد الجامعات الحكومية، ما يدلل على أن الفلوس أصبحت تحكم عملية توزيع طلاب الثانوية العامة على التخصصات المختلفة أكثر من مكتب التنسيق.
فقبل سنوات من الآن، لم يكن عدد الجامعات الخاصة يماثل عددها الآن، وكان الطالب الذى يلتحق بإحدى كليات الطب الخاص مطلوباً منه أن يحصل على مجموع يقل بنسبة قليلة عن تنسيق كليات الطب الحكومى، أما اليوم ومع التمدد غير المسبوق فى عدد هذه الجامعات، أصبحت المسألة مختلفة، فحجم المعروض من فرص الالتحاق بالكليات الخاصة أصبح يزيد على الطلب (أعداد الطلاب الذين تقبلهم كل كلية) فقلَّ التنسيق، لكن المصروفات لم تقل!.
وقد عمّق من أزمة اختلال العرض مع الطلب على الجامعات الخاصة خلال الفترات السابقة البرامج المتميزة (بمصروفات) التى تتيحها أغلب الكليات داخل الجامعات الحكومية حالياً، ويلتحق بها الطلاب الحاصلون على الحد الأدنى للمجموع الذى قبلت به كليات القطاع.
الجامعات بكل أطيافها (حكومية وخاصة ودولية وأهلية) أصبحت ماكينات لإنتاج الفلوس، وبات همها الأكبر المنافسة على ما فى جيب أولياء الأمور الحالمين بحصول أبنائهم على شهادة، لأن الموضوع لم يعد موضوع تعليم.
الجامعات الخاصة بها إنشاءات جيدة، وبعضها يبهرك شكله ومنظره بمجرد أن تقع عيناك عليه، لكنها عملياً تفتقر إلى الأدوات التى تساعدها على تقديم خدمة تعليمية حقيقية. وكل من له صلة بالعمل الجامعى يعلم حالة الفوضى التى ضربت مسألة الحصول على درجات الماجستير والدكتوراه فى بعض التخصصات، وكذلك الترقيات لدرجة أستاذ مساعد وأستاذ، وغياب المعايير الموضوعية عن عملية إعداد وتقييم الكوادر الجامعية فى بعض الأحوال بسبب الرغبة العارمة فى الحصول على درجات، وكانت هذه الكوادر تجد طريقها بسهولة إلى الجامعات الخاصة.
نحن بحاجة فعلاً إلى المزيد من الجامعات. فدولة مثل كندا يوجد بها أكثر من 100 جامعة وعدد سكانها لا يزيد على 30 مليون نسمة، فى حين أن مصر التى يبلغ تعدادها أكثر من 100 مليون نسمة لا يتوافر بها سوى ما يقرب من 70 جامعة، لكن السؤال: أى نوع من الجامعات نريد؟
نحن نريد أولاً جامعات تقدم خدمة تعليمية حقيقية، وليس دكاكين لمنح الشهادات، ونحن نريد ثانياً جامعات أهلية حقيقية يسهم المجتمع والدولة والطلاب فى تمويلها، تماماً مثلما كانت تعمل الجامعات قبل قرار المجانية، لن يفيدنا جامعات أو برامج تعليمية هدفها الربح فتندفع إلى خفض مجموع القبول بها لترويج بضاعتها، دون أى تنازل عن السعر. من كان يعرف دولة متحضرة يستهدف التعليم فيها الربح فليشِر إليها، وأريد منه بعد أن يشير إليها أن يقارن حجم المليارات التى تراكمت لدى ملاك الجامعات الخاصة لدينا مقارنة بالأرباح التى يحققها أشباههم فى الدول الأخرى.