توقيت القاهرة المحلي 20:16:08 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الوعي والهوى الغلاب

  مصر اليوم -

الوعي والهوى الغلاب

بقلم :د. محمود خليل

الوعى ببساطة هو مجموعة المدركات والصور التى يختزنها الفرد حول الواقع الذى يعيش فيه والأحداث التى تتفاعل من حوله، بناء على ما يصله من معلومات.

فالمعلومة هى أساس الوعى، إذا كانت صحيحة دقيقة واقعية كان وعى الفرد سليماً متماسكاً، وإذا لم تكن بات وعيه زائفاً.

والوعى أشكال وألوان مختلفة. فهناك الوعى السياسى، والوعى الاقتصادى، والوعى الاجتماعى، والوعى الدينى وغير ذلك، وكل نوع من أنواع الوعى له ما يحكمه، ويؤثر على طريقة استيعاب الفرد للمعلومات التى تصله حول الواقع، وأسلوب إدراكه للأحداث والأشخاص.

فالوعى السياسى يحكمه الهوى، والوعى الاقتصادى تحكمه المصلحة، والوعى الاجتماعى يحكمه الانتماء الطبقى، والوعى الدينى يحكمه منسوب الحكمة.

فإدراك الفرد للأحداث السياسية يتأسس على ما يتوافر له من معلومات حولها، لكنه محكوم بالميول والأهواء السياسية الغلابة. فى كل عصر تسود اتجاهات مختلفة ويتنازع الناس بين رؤى سياسية متباينة أمام الموضوع الواحد. هذه الأهواء تؤثر فى وعى الإنسان وتحدد مسارات تفاعله مع ما يجد من أحداث وقضايا داخل المجتمع.

كما أن إدراك الفرد للأحداث الاقتصادية محكوم بالمصلحة، فإذا سمع عن قرار أو إجراء أو سياسة فإنه يحدد إدراكه له أو اتجاهه نحوه بناء على ما سيحققه من منافع أو ما يلحق به من أضرار.

والوعى الاجتماعى محكوم بالانتماء الطبقى. فكل طبقة اجتماعية ولها أخلاقياتها وتوجهاتها ونظرتها الخاصة إلى الآخر الطبقى، وبالتالى تتفاعل مع ما يتوافر لديها من معلومات تتعلق بالأحداث الاجتماعية طبقاً للثوابت والصور النمطية التى تتسكع فى رأسها حول الآخر وأخلاقياته وتوجهاته.

الوعى الدينى أيضاً له ما يحكمه ويتحدد فى منسوب الحكمة. فالحكمة هى التى تدفع الفرد المتدين إلى نظرة أكثر عمقاً إلى التاريخ وكذا إلى الواقع، وإلى نظرة أكثر نضجاً للذات وكذا للآخر الدينى، فتجد الواعى دينياً بعيداً عن التعصب أو التشدد أو التنطع، وميالاً إلى وضع ذاته المؤمنة فى حجمها الطبيعى أمام الخالق وإلى التماس الأعذار لخلق الله.

الواقع ليس مجرد معلومات يتم رصها فى ذهن الفرد لنتوقع منه بعد ذلك اتجاهات ومواقف وسلوكيات معينة، المعلومات تتفاعل داخل نفوس بشرية لها أهواؤها وقناعاتها ومصالحها كما تتباين فى منسوب حكمتها. ومهما تساوى الناس فى حجم ونوع المعلومات المتاحة لهم حول موضوع معين، فإن أسلوب تفاعلهم معه هو المحدد الأهم لشكل وعيهم به.

أيام النبى صلى الله عليه وسلم كان الاستماع إلى القرآن الكريم -جوهر الرسالة المحمدية- متاحاً للجميع، اثنان من كبار أهل مكة استمعا إلى كلام الله، أولهما عمر بن الخطاب، والثانى هو الوليد بن المغيرة.. فماذا كان موقف كل منهما؟

خرج عمر بن الخطاب وهو ينوى قتل النبى، فقابله فى الطريق مَن أخبره بأن أخته أسلمت مع زوجها، فذهب إليهما واعتدى عليهما وأخذ ما فى يدهما من قرآن وقرأه، فآنس كلام الله نفسه فوعاه وفهمه، ثم ذهب إلى النبى ليعلن إسلامه، هذا الذى كان يقول عنه أهل مكة «لو أسلم حمار الخطاب لأسلم عمر».. إنها الحكمة التى رزقها عمر.

أما الوليد بن المغيرة الذى نظر إليه المكيّون ككبير الحكماء فقد ذهب واستمع إلى القرآن وكاد يؤمن برسالة السماء، لكن الهوى غلبه حين قال له المكيّون: لقد سحرك محمد يا ابن المغيرة، فإذا به ينقلب لينفى ما أثبته فى حق القرآن من أنه وحى من السماء ليقول: «إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ».. إنه الكبر.

وصدق الله العظيم إذ يقول: «ومَن يؤتَ الحكمةَ فقد أوتىَ خيراً كثيراً».

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الوعي والهوى الغلاب الوعي والهوى الغلاب



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 19:55 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أحمد مكي يخلع عباءة الكوميديا في رمضان 2025
  مصر اليوم - أحمد مكي يخلع عباءة الكوميديا في رمضان 2025

GMT 09:13 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

GMT 00:03 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

بايدن يُكرم ميسي بأعلى وسام في أمريكا

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 13:37 2020 الأحد ,24 أيار / مايو

الفيفا يهدد الرجاء المغربي بعقوبة قاسية

GMT 12:48 2020 الثلاثاء ,19 أيار / مايو

أسعار الذهب في مصر اليوم الثلاثاء 19 مايو
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon