توقيت القاهرة المحلي 23:40:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

كله على كله

  مصر اليوم -

كله على كله

بقلم :د. محمود خليل

لا تخلو حياة شعب من متاعب ناتجة عن تعقيدات اقتصادية، الفارق فى درجة إحساس الشعوب بقسوة هذه التعقيدات يرتبط بالأساس بطريقة تفاعل الأفراد معها، فإذا سلك التفاعل اتجاه مد الأيادى والتعاون لمواجهة الظروف المعقّدة هان الصعب، أما إذا اتخذ شكل السعى المحموم من جانب كل فرد لحل مشكلاته على حساب الآخر، فالدنيا تتعقد.

عندما يتّجه كل فرد إلى حل مشكلته على حساب الآخر ويرفع شعار «أنا ومن بعدى الطوفان» تتعقّد حياة الجميع ويسقط الكل فى بئر المعاناة.

الطبيب -على سبيل المثال- قد يعانى من مشكلات معيشية ناتجة عن ضعف الدخل، فيجد حل مشكلاته فى الخضوع لشركات الأدوية التى تدفع له مادياً أو عينياً مقابل كتابة الأدوية التى تنتجها، وتكون النتيجة أن يضغط على المريض بدواء غالى الثمن رغم أن هناك بديلاً أرخص له، ويسوقه إلى معامل تحاليل بعينها ليجرى تحليلات، يدفع فيها الشىء الفلانى، وقد لا يكون بحاجة إليها، لكن الطبيب سيستفيد منها.. والنتيجة المزيد من المعاناة للمريض.

قِس على ذلك العاملين فى جميع المهن والمجالات الأخرى، بدءاً من المعلم الذى يندفع جراء الضغوط المعيشية إلى تحييد دوره داخل المدرسة وكروتة الدروس الخصوصية، وتكثيف الأعداد بها حتى يحصل على أكبر دخل، والنتيجة لا تربية ولا تعليم، ولكن المزيد من المعاناة، وانتهاءً بعامل النظافة الذى لا يقوم بعمله إلا إذا دفع له الآخرون.

من يحصد دخله بالضغط على الآخرين تسوق الأقدار إليه من يضغط عليه فى أبسط احتياجاته، فيضاعف هو الآخر أجرته، والنتيجة دائرة لا تنتهى من المعاناة.

ينسى الفرد وهو يرفع ثمن سلعته أو يغالى فيها أن كل شىء وله حد، وكل إنسان وله قدرة، وكل غلاء يعقبه تراجع فى مستوى الطلب على السلعة، إلى حد يؤدى إلى بوارها وتوقف النشاط. وتوقف النشاط يؤدى إلى جلوس من يعملون به فى البيت ليضافوا إلى طابور البطالة.

لا يختلف اثنان على أن الناس لها عذرها، فالضغوط المعيشية عليهم ليست بالهينة، والكل يشكو، والشكوى مبرّرة، لكن يبقى أن طريقة العلاج الشائعة بتصدير الضغوط إلى الآخرين لن تحل المشكلة، بل ستزيدها تعقيداً. فالتفكير القائم على الأنانية والفردية والأثرة يسمم حياة صاحبه، وحياة من حوله، ويد الله تعالى مع الجماعة، وهو لا يرضى بظلم فرد لآخر، ولا منطق فى أن يبرّر الشخص لنفسه ظلم غيره، لأن هناك ظلماً وقع عليه: «ولا تزر وازرة وزر أخرى»، على الناس أن تخرج من معادلة «كله يخلص من كله»، لأنها ببساطة معادلة شيطانية تؤدى إلى تسميم الحياة بأكملها.

منطقياً كل من يفكر أن يضع يده فى جيب الآخر سيصل إلى لحظة لن تجد فيها يداه ما يمكن أن تحصل عليه، ووقتها ستتحول المشكلة القابلة للعلاج إلى كارثة مستعصية على الحل. فكل شىء وله آخر.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كله على كله كله على كله



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 21:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله
  مصر اليوم - كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:44 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البنك المركزي المصري يعلن تراجع معدل التضخم السنوي

GMT 22:26 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات Xbox One X تتجاوز 80 ألف فى أول أسبوع

GMT 14:26 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

أبطال " السبع بنات " ينتهون من تصوير أدوارهم في المسلسل

GMT 18:22 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن "هوندا سبورت فيجن GT" الجديدة بتصميم مثير

GMT 05:34 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تحتفل بعيد الميلاد في هاواي

GMT 09:27 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

أهم صيحات فساتين السهرة المثالية

GMT 10:34 2023 الثلاثاء ,24 كانون الثاني / يناير

الأردن يسلم اليونسكو ملف إدراج أم الجمال إلى قائمة التراث
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon