بقلم :د. محمود خليل
لا تخلو حياة شعب من متاعب ناتجة عن تعقيدات اقتصادية، الفارق فى درجة إحساس الشعوب بقسوة هذه التعقيدات يرتبط بالأساس بطريقة تفاعل الأفراد معها، فإذا سلك التفاعل اتجاه مد الأيادى والتعاون لمواجهة الظروف المعقّدة هان الصعب، أما إذا اتخذ شكل السعى المحموم من جانب كل فرد لحل مشكلاته على حساب الآخر، فالدنيا تتعقد.
عندما يتّجه كل فرد إلى حل مشكلته على حساب الآخر ويرفع شعار «أنا ومن بعدى الطوفان» تتعقّد حياة الجميع ويسقط الكل فى بئر المعاناة.
الطبيب -على سبيل المثال- قد يعانى من مشكلات معيشية ناتجة عن ضعف الدخل، فيجد حل مشكلاته فى الخضوع لشركات الأدوية التى تدفع له مادياً أو عينياً مقابل كتابة الأدوية التى تنتجها، وتكون النتيجة أن يضغط على المريض بدواء غالى الثمن رغم أن هناك بديلاً أرخص له، ويسوقه إلى معامل تحاليل بعينها ليجرى تحليلات، يدفع فيها الشىء الفلانى، وقد لا يكون بحاجة إليها، لكن الطبيب سيستفيد منها.. والنتيجة المزيد من المعاناة للمريض.
قِس على ذلك العاملين فى جميع المهن والمجالات الأخرى، بدءاً من المعلم الذى يندفع جراء الضغوط المعيشية إلى تحييد دوره داخل المدرسة وكروتة الدروس الخصوصية، وتكثيف الأعداد بها حتى يحصل على أكبر دخل، والنتيجة لا تربية ولا تعليم، ولكن المزيد من المعاناة، وانتهاءً بعامل النظافة الذى لا يقوم بعمله إلا إذا دفع له الآخرون.
من يحصد دخله بالضغط على الآخرين تسوق الأقدار إليه من يضغط عليه فى أبسط احتياجاته، فيضاعف هو الآخر أجرته، والنتيجة دائرة لا تنتهى من المعاناة.
ينسى الفرد وهو يرفع ثمن سلعته أو يغالى فيها أن كل شىء وله حد، وكل إنسان وله قدرة، وكل غلاء يعقبه تراجع فى مستوى الطلب على السلعة، إلى حد يؤدى إلى بوارها وتوقف النشاط. وتوقف النشاط يؤدى إلى جلوس من يعملون به فى البيت ليضافوا إلى طابور البطالة.
لا يختلف اثنان على أن الناس لها عذرها، فالضغوط المعيشية عليهم ليست بالهينة، والكل يشكو، والشكوى مبرّرة، لكن يبقى أن طريقة العلاج الشائعة بتصدير الضغوط إلى الآخرين لن تحل المشكلة، بل ستزيدها تعقيداً. فالتفكير القائم على الأنانية والفردية والأثرة يسمم حياة صاحبه، وحياة من حوله، ويد الله تعالى مع الجماعة، وهو لا يرضى بظلم فرد لآخر، ولا منطق فى أن يبرّر الشخص لنفسه ظلم غيره، لأن هناك ظلماً وقع عليه: «ولا تزر وازرة وزر أخرى»، على الناس أن تخرج من معادلة «كله يخلص من كله»، لأنها ببساطة معادلة شيطانية تؤدى إلى تسميم الحياة بأكملها.
منطقياً كل من يفكر أن يضع يده فى جيب الآخر سيصل إلى لحظة لن تجد فيها يداه ما يمكن أن تحصل عليه، ووقتها ستتحول المشكلة القابلة للعلاج إلى كارثة مستعصية على الحل. فكل شىء وله آخر.