بقلم :د. محمود خليل
نفى لطفى السيد فكرة التعصب الإسلامى عن المصريين ورفض فرضية «كرومر» التى تشير إلى أنهم يتعصبون لفكرة الجامعة الإسلامية أو الخلافة كمدخل للتحرر من الإنجليز. وأكد أن الإسلام ليس من مبادئه التعصب الشائن الذى يعبر عنه الإفرنج بـ«الفاناتيزم».
وذكر أن المحبة المتبادلة والتعاون بين أبناء الدين الواحد أمر طبيعى وإنسانى، لكن ذلك لا يعنى إضمار العداء للآخر والدليل على ذلك، كما يشير لطفى السيد، أن: «الأقباط فى مصر يعيشون مع المسلمين مختلطين فى المصالح والمساكن متكاتفين فى المزارع والأعمال، متشاركين فى الوظائف والمرافق، ولم يُسمع منذ زمن بعيد أن المسلمين الذين أمرهم دينهم بحسن المعاملة هاج هائجهم على إخوانهم».
من اللافت أيضاً أن اللورد كرومر تبنى منذ فترة مبكرة من القرن العشرين فكرة «تجديد الخطاب الإسلامى». ويذكر أحمد لطفى السيد فى مذكراته: «امتدح اللورد كرومر فى تقرير سنة 1906 الذين يقومون بخدمة الدين وتخليصه من الدخائل التى متى خلص منها كان موافقاً لحاجات الناس فى التمدن الحديث، وخص منهم بالذكر فقيد الإسلام المرحوم الشيخ محمد عبده، والسيد أحمد خان منشئ كلية عليكره».
لم يواجه أحمد لطفى السيد أطروحة اللورد كرومر فى تجديد الخطاب الإسلامى بنفس العنت الذى واجه به أفكاره الأخرى عن المصريين. وفى تقديرى أن الرجل كان يرى أن أولى خطوات التجديد ترتبط بإحياء الوطنية المصرية والبحث عن استقلال مصر عن دولة السلطنة فى تركيا، وقد حاول عبثاً فى هذا الاتجاه، لكنه لم يفلح فى ذلك، لأن قطاعاً لا بأس به من أمراء الأسرة العلوية وعلى رأسهم الأمير عمر طوسون، وكذا العديد من الأحزاب السياسية كانت ترى أن من الأفضل دعم تركيا، خصوصاً مع هبوب رياح الحرب العالمية الأولى، هو الأفضل للقضية المصرية ويؤدى إلى تعجيل إجلاء الإنجليز عن مصر.
قاوم أحمد لطفى السيد أيضاً أطروحة «أرض الإسلام وطن لكل المسلمين» وهى الأطروحة التى تنفى فكرة القومية المصرية. وحكى فى مذكراته أنه: «كنت منذ زمن طويل أنادى بأن مصر للمصريين، وأن المصرى هو الذى لا يعرف له وطناً آخر غير مصر، أما الذى له وطنان، يقيم فى مصر، ويتخذ له وطناً آخر على سبيل الاحتياط، فبعيدٌ أن يكون مصرياً بمعنى الكلمة. كنت أريد أن يتحمل كل قاطن فى مصر من الواجبات ما يتحمله المصريون لتحقيق القومية المصرية، فقد كان من السفه أن يقول أحد إن أرض الإسلام وطن لكل المسلمين، وتلك قاعدة استعمارية تنتفع بها كل أمة مستعمرة تطمع فى توسيع أملاكها ونشر نفوذها كل يوم فيما حواليها من البلاد».
آمن أحمد لطفى السيد بالجامعة المصرية بديلاً للجامعة الإسلامية، من منطلق أن الوطنية لا تتناقض مع الدين، وكانت تلك الأطروحة وادة من أبرز أطروحاته لتجديد الخطاب الدينى فى مصر بصورة عملية وبجهد السياسى والمفكر، وليس المنظّر.