توقيت القاهرة المحلي 16:02:46 آخر تحديث
  مصر اليوم -

طيور الوهم

  مصر اليوم -

طيور الوهم

بقلم: د. محمود خليل

زمان كانت الناس تسلى نفسها وتعالج أوجاعها بحكايات «ألف ليلة وليلة»، وفيها يحل الإنسان مشكلاته من خلال العفاريت. فهذا عفريت يطير عبر الريح ليعيد بطل الحكاية إلى أهله ووطنه بعد أن قذفت به الأحداث فى بلاد بعيدة طال مقامه بها حتى يئس من العودة.. يعانى بطل إحدى الحكايات الأخرى من الفقر وتسلط الزوجة عليه ويضيق بالبلد الذى يحيا فيه، تتكاثر عليه الهموم فيرتمى وحيداً فى بيت مهجور يشخص ببصره إلى الحائط القديم الذى يرقد فى مواجهته فيفاجأ بأنه يئز ثم ينفلق، وإذا بمارد عملاق يخرج إليه قائلاً: «شبيك لبيك.. عبدك وملك إيديك.. إيش تطلب؟». يطير به المارد إلى أرض بعيدة ويكشف له عن كنز مخبوء بها، يتحول بعده إلى واحد من كبار تجار المدينة، يتعرف إلى السلطان ويتزوج ابنته الأميرة الفاتنة ست الحسن والجمال.

تاهت حكايات ألف ليلة وليلة فى دروب النسيان، وحل محلها حكايات الأفلام والمسلسلات العربية، واخترع مؤلفوها ومخرجوها العديد من الحلول «المعفرتة» للمشكلات التى يواجهها البطل. جوهر الحل تجده يتحلق حول فكرة «الصحوة المفاجئة للضمير». قد يتهم البطل بجريمة معينة، وتتتابع أحداث الفيلم لتؤكد على براءته، وأن غيره هو من ارتكب الجريمة، بعدها يصاب المجرم الحقيقى بنوبة من نوبات «يقظة الضمير» فيعترف وينجو البرىء.

فى الأفلام العربية ما أسرع أن تتحول الهزائم إلى انتصارات، والإحباطات إلى آمال، والظلم إلى عدل، والفقر إلى ثراء، والمريض إلى عفىّ، والضال إلى مهتدٍ، والطيب إلى شرس. وبإمكانك أيضاً أن تعكس هذه الثنائيات فتجد الانتصار يتحول إلى هزيمة والأمل إلى إحباط، والعدل إلى ظلم وهكذا.

زمان كان يطلق على الحلول التى تُقدم عبر حكايات ألف ليلة وليلة: «شغل حواديت»، أما حلول الأفلام فكانت توصف بـ«كلام أفلام». فالواقع فى كل الأحوال لا يعرف تلك الحلول الخرافية السهلة لمشكلات الحياة، لكن ذلك لا يعنى أن الإنسان انصرف عن خرافات العفاريت، أو صحوات الضمير المفاجئة والمصنوعة، إلى التناول المنطقى لمشكلات الحياة وطرح الحلول الواقعية لها. قد يحدث ذلك فى أحوال، لكن الغالب على المجتمعات المرهقة هو البحث عن وهم.

أكثر ما يباع إلى العائشين فى المجتمعات المرهقة هو الوهم. ففى مواجهة أى مشكلة يتم إطلاق طيور الوهم. على سبيل المثال الرسائل التى تتدفق من جميع الاتجاهات عبر وسائل التواصل الاجتماعى بإيهام من يستقبلها بأن أمامه فرصة لربح الملايين عبر الانخراط فى وظيفة أو الاشتراك فى مسابقة وغير ذلك. ومن لا يتعامل أو يتأثر بالواقع الافتراضى يجد فى واقعه المعيش «مستريح» أو «مستريحة» يبيع له وهم الاستثمار القادر على تحقيق أرباح خيالية مع الاحتفاظ بثروته الأصلية، وينهب فلوسه.

الكبير له طيور الوهم التى يتم إطلاقها عليه، والصغير له الشىء نفسه، فتجد بعض الشباب يحلمون بفكرة تضعهم فى مصاف كبار الأثرياء، ولو فتش أحدهم عن الفكرة التى قفزت فى خياله المسترخى وبحث عن جدواها أو تطبيقها فسيدرك أنه يعيش وهماً مستطيراً.

الحلم مشروع.. أما الوهم فاستمرار للمشكلة وموت للحل.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

طيور الوهم طيور الوهم



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

أيقونة الموضة سميرة سعيد تتحدى الزمن بأسلوب شبابي معاصر

الرباط ـ مصر اليوم

GMT 08:41 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أسرار أبرز التيجان الملكية التي ارتدتها كيت ميدلتون
  مصر اليوم - أسرار أبرز التيجان الملكية التي ارتدتها كيت ميدلتون

GMT 08:54 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أبرز العيوب والمميزات لشراء الأثاث المستعمل
  مصر اليوم - أبرز العيوب والمميزات لشراء الأثاث المستعمل

GMT 00:06 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

الأمير ويليام يكشف عن أسوأ هدية اشتراها لكيت ميدلتون

GMT 22:40 2019 الأربعاء ,16 كانون الثاني / يناير

وفاة مهندس في حادث تصادم بعد حفل خطوبته بساعات

GMT 13:19 2019 الأربعاء ,02 كانون الثاني / يناير

تعليق البرازيلي نيمار يثير غضب عشاق الأرجنتيني ليونيل ميسي

GMT 02:36 2018 الإثنين ,17 كانون الأول / ديسمبر

صبغات لتغطية الشعر الشايب وإبراز جمال لون البشرة

GMT 14:16 2018 الجمعة ,05 تشرين الأول / أكتوبر

"فيرير" فيدر أفضل لاعب تنس في تاريخ اللعُبة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon