بقلم :د. محمود خليل
كأن الزلزال الذى أحسّ به سكان القاهرة وعدد من محافظات الجمهورية الأخرى يوم الثلاثاء الماضى أراد أن يذكِّرنا بموقع شهر أكتوبر فى حياة المصريين، وهو موقع شديد السطوع على مستوى الأحداث التى شهدتها البلاد خلال تاريخها القريب أو حياتها المعاصرة.
زلزال الثلاثاء ذكَّرنا بزلزال الاثنين (12 أكتوبر 1992)، وهو واحد من الأحداث الفارقة التى عاشها المصريون أواخر القرن العشرين، ويمكن النظر إليه كمَعلم زمنى للتحول الكبير الذى شهدته مصر فى أعقابه، بعد أن بدأت السلطة حصد نتائج مشاركتها فى حرب الخليج الثانية، وما ترتب عليها من إعفاء من بعض الديون الدولية المتراكمة عليها، ثم صدور القوانين المنظمة لعملية الخصخصة وبيع القطاع العام، وظهور المغامرين الاقتصاديين من رجال المال المتحالفين مع رجال السياسة، وغير ذلك.
كان شهر أكتوبر من قبل حاضنة لأكبر وأهم نصر عسكرى حققه المصريون على عدوهم التاريخى إسرائيل، حين تمكنوا من تحطيم أسطورة التفوق العسكرى الإسرائيلى يوم السبت 6 أكتوبر 1973، كما سجّل يوم 24 من هذا الشهر ملحمة صمود ومقاومة أهل السويس للإسرائيليين بعد ثغرة الدفرسوار.
وكما شهد شهر أكتوبر الحدث الأكبر فى تاريخ المواجهة مع إسرائيل، فقد احتضن أيضاً واحدة من أكبر عمليات الاغتيال السياسى فى تاريخنا، وهو حادث المنصة الشهير، الذى استشهد الرئيس السادات على أثره، لتدخل مصر مرحلة جديدة من تاريخها، وليبدأ الفصل الأول من تجربة «مبارك» فى الحكم.
يوم 1 من شهر أكتوبر شهد أيضاً تشييع جنازة الرئيس جمال عبدالناصر، بعد وفاته يوم 28 سبتمبر 1970، لتبدأ مصر رحلتها وتجربتها المثيرة مع حكم الرئيس السادات، كما شهد يوم 29 من الشهر نفسه واحداً من أهم الأحداث التى واجهتها مصر عبدالناصر، حين بدأت القوات الإسرائيلية تهبط فى سيناء، لتتفاعل بعدها أحداث العدوان الثلاثى على مصر، لتبلغ شعبية عبدالناصر بعدها عنان السماء.
كان شهر أكتوبر أيضاً نقطة النهاية فى حياة عميد الأدب العربى طه حسين، حين فاضت روحه إلى بارئها يوم 28/10/1973، وهو من أكثر الأدباء الذين تاقت أنفسهم إلى الحصول على جائزة نوبل للأدب، ليكون أول عربى يحصل عليها، لكنه غادر الحياة دون أن تتحقق الأمنية، ثم شاءت الأقدار بعد ذلك أن يحتضن يوم 13 أكتوبر 1988 فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل فى الأدب، ليمثل هذا الحدث واحداً من أبرز الأحداث الثقافية التى عاشتها مصر أواخر القرن الماضى.
لا خلاف على أن كل أشهر العام سبق وشهدت أحداثاً مهمة وفاصلة فى تاريخ حياة المصريين، ويمكن بالبداهة أن نطبق عليها ما ذكرناه عن شهر أكتوبر، لكن يبقى أن ثمة أحداثاً تعلق بالذاكرة، وأخرى تفر منها كما يفر الماء من اليد، وأغلب الأحداث التى عاصرناها فى أكتوبر شاء الله لها أن تستقر فى ذاكرة المصريين، وأن تجعلهم يتوقفون كثيراً أمام أيام وليالى أكتوبر، استثناءً ما بين أشهر العام الأخرى.