بقلم: د. محمود خليل
المرأة الفقيرة غير المرأة البورجوازية (المنتمية إلى الطبقة الوسطى)، سواء على مستوى الهموم أو الاحتياجات أو الأدوار أو الأحلام. المرأة الفقيرة تدافع عن معيشتها، وأغلب متطلباتها فى الحياة تقع فى سياق الطعام والشراب وأجرة السكن، والتعليم والصحة يكادان يكونان ترفاً، إذا فاض لها من دخلها شىء يمكن إنفاقه عليهما.
المرأة البورجوازية غير ذلك، فاحتياجاتها متنوعة وتشمل بالإضافة إلى أساسيات الحياة، الكثير من الكماليات التى تعبّر عن نزعتها الاستهلاكية التى تتمركز على أوجه إنفاق لا تقوى عليها المرأة الفقيرة، بل ربما تستغرب كل الاستغراب إذا سمعت عن بعضها.
تأتى الفقيرة للحياة وهى تشعر بالعجز، وأول درس تتعلمه ألا تضع شروطاً للعيش، فعندما تتزوج إحدى بنات الطبقة الفقيرة من الصعب عليها أو على وليها أن يضع شروطاً على الزوج تضمن حقوق الزوجة أو أولادها لو حدث طلاق لا سمح الله.. الفقيرة تريد الستر أو «ضل الراجل»، كما يُردّد بسطاء المصريين، وهى فى كل الأحوال لا تستسهل الطلاق، وتتحمل كثيراً حتى تسير المركب، وإن اضطرتها الظروف للانفصال فإنها تؤثر السلامة، لأنها لا تملك ما تمول به أى نزاعات قانونية، وهى لا تعانى مشكلة فى ما يتعلق بحضانة الأولاد، لأن الزوج الفقير يميل إلى التخلص من الأعباء، ويصعب أن يناور على طليقته بورقة الأولاد، إنه يفر من الأسرة ككل.
أوضاع المرأة البورجوازية مختلفة فشعورها بذاتها أعلى، وحرصها على امتلاك الأدوات أكبر، وإحساسها بما تملك أعمق، وبالتالى فلديها القدرة على وضع شروط موثقة على زوجها تحدّد حقوقها وحقوق أولادها إذا وقع الطلاق، ورغم ذلك فإن بعض بنات هذه الطبقة لا يفكرن بهذه الطريقة، ولا يكترثن كثيراً بمسألة وضع شروط موثّقة على الزوج، فأىٌّ منهن تشعر أنها قادرة على مبارزة الزوج وقت وقوع أى خلاف بينهما، فهى تملك القدرة المالية التى تمكنها من مطاردته قانونياً، بالإضافة -أحياناً- إلى القدرة العلاقاتية التى تمكنها من فرض ما تريد على الزوج، تبعاً لموازين القوة بينها وبينه.
فى كل الأحوال حماية المرأة كزوجة أو كمطلقة أو أرملة لا تتعلق بثرثرة كلامية تتردّد على ألسنة النسويين والنسويات، بل بأدوار أكبر لا بد أن تقوم بها المؤسسات المسئولة عن رعاية المرأة والدفاع عن حقوقها. أخشى أن أقول إن بعض هذه المؤسسات يؤدى مثلما يؤدى النسويون والنسويات عبر الثرثرة بحقوق المرأة لأهداف مختلفة لا تتجاوز الكلام إلى الفعل، ونشاط الكثير من هذه المؤسسات يغلب عليه الطابع المركزى، إذ يركز على المرأة فى القاهرة، ولا توجه جهودها إلى المرأة فى الريف، التى هى فى أشد الحاجة إلى الدعم والمساندة.
فارق كبير بين الدفاع القائم على الكلام عن قضية معينة، ويحمل شبهة التربّح بها أو التكسّب من ورائها، ونحن لدينا تجارب كثيرة فى التجارة الكلامية وصلت إلى حد المتاجرة بالدين، وبين الدفاع القائم على بذل الجهد بهدف تغيير الواقع، لأن هذا النوع من الدفاع يتطلب الدفع والتمويل من أجل إيجاد الحلول لمشكلات المرأة، خصوصاً الفقيرة.