بقلم :د. محمود خليل
رسالة محددة يجب أن تصل إلى الناس فيما يتعلق بمسألة تجديد الخطاب أو تطوير الفكر الدينى، ملخصها أن التطوير أو التجديد لا يستهدف الإسلام بحال بل يتوجه إلى العقل المسلم ويساعده على فهم أعمق وأكثر عقلانية وعصرية للعقيدة السمحة.
تطوير الفكر الدينى وقفة مع النفس المسلمة يمنحها الفرصة لتجديد إيمانها، عملاً بقول النبى صلى الله عليه وسلم: «إن الإيمان ليخلَق فى جوف أحدكم كما يَخلَق الثوب، فاسألوا الله أن يجدد الإيمان فى قلوبكم».
أحياناً ما تثير دعوات التجديد المخاوف لدى البعض، حين يظنون خطأ، أن المستهدف هو الإسلام وليس العقل المسلم، أو الدين وليس الفكر الدينى، لذلك فالتدقيق مطلوب، وتحديد الأسس التى ينطلق منها التجديد والمسارات التى يعمل عليها ضرورة.
من المهم أن يتفهم المتخوفون من التجديد أنه بات واجب الوقت لحماية العقيدة الإسلامية نفسها، ولحماية المسلمين أيضاً من أكبر خطر يتهددهم وهو خطر الإلحاد.
البعض يقدر أعداد الملحدين فى بلدنا بالملايين، وأحد أسرار انتشار الإلحاد يتعلق بالطريقة التى تتلقى بها الأجيال الجديدة الإسلام، سواء على مستوى القول، أو الفعل.
فعلى مستوى القول نحن نخاطب جيلاً صنعته التكنولوجيا وتربى على التمرد وعدم التسليم أو الانصياع. الأجيال السابقة تعودت على فكرة التسليم والانصياع، الأمر الذى سهّل عليها تبنى الغيبيات دون مناقشة أو تمحيص أو قدرة على فرز ما يقترن بها من خرافات، وفصلها عن الأحاسيس الإيمانية الحقيقية. جيل الشباب المعاصر -خلافاً للسابقين- يجيد طرح الأسئلة، ولا يطمئن لإجابة بسهولة.
وعلى مستوى الفعل ينظر الجيل الجديد إلى مجتمع الكبار فيضرب كفاً بكف بسبب الحجم المهول من التناقض الذى ينسج حياتهم. إنه يلاحظ التناقض بين أقوال الكبار وأفعالهم، بين ما يلقنونه له من توجيهات وتعليمات تتناقض مع سلوكهم الشخصى.
الشاب يجد الأب يصلى ويصوم ويحج ويعتمر بأموال فاسدة المصادر والمسالك. إذا كان فقيراً يجد الغنى يحدثه عن ضرورة الاجتهاد فى حياة تحركها الواسطة والانتماء العائلى، يتأمل الآيات التى تتكرر على الألسنة ويسمع نغمات البسملة والحوقلة والحسبنة والمشيئة فيظن أنه يعيش فى مجتمع يغرد بالإيمان، ثم يلاحظ المفارقة بين الأقوال والسلوكيات والأفعال، وبعدها يسأل نفسه: هل هذا هو الدين؟!.
ولو أنك استدعيت التاريخ فستجد أن أقدم دعوات الإلحاد فى مصر ظهرت خلال فترة التشوق إلى النهضة والتخلص من أغلال التخلف، مثل دعوة الكاتب الشهير «إسماعيل أدهم». التعريف الذى تبناه «أدهم» لمفهوم الإلحاد وما أعلنه من ترك للعقائد الدينية وتمسك نهائى بالعلم والمنطق العلمى عبّر عن نوع من الاحتجاج على الواقع المتخلف الذى يعيش فيه المسلمون.
الإيمان المطلق بالعلم الذى تتغير نتائجه ونظرياته من عصر إلى عصر هو الوجه الآخر للإيمان المفرط بالخرافة ورد كل أمر من أمور الحياة إلى ما وراء الحياة. والوجهان شاهدان على حالة الاعتلال التى أصابت المجتمعات المسلمة التى وقعت بين مطرقة الاحتجاج السلبى على التخلف دون اجتهاد فى توعية من يعانون منه، وسندان الاستسلام الكامل لحالة الرداءة والانسجام مع القبح.