توقيت القاهرة المحلي 22:45:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الواقع فى مواجهة النص

  مصر اليوم -

الواقع فى مواجهة النص

بقلم :د. محمود خليل

يصف بعض النخبويين العقل الدينى الشعبى بالميل إلى الرفض الجامد والمتعصب لأفكار تطوير أو تجديد الفكر الدينى، وأنه يعلى من شأن النصوص الموروثة ويتشبث بما حفظ من متونها، أكثر مما يلتفت إلى تحولات الواقع. البحث العملى فى تصورات العقل الدينى الشعبى للعلاقة بين النصوص الموروثة والواقع يقول غير ذلك، ويؤكد أن العقل الشعبى يتمتع بنوع من المرونة الواضحة عند النظر إلى طرفى معادلة «النص - الواقع».

يثمّن العقل الدينى الشعبى ويقدّر سلطة الواقع، بل وأحياناً ما تتفوق هذه السلطة فى تأثيرها على سلطان الموروث، وفى حالة التعارض أحياناً ما يغلب العُرف على النص، أو الواقع على التراث.

فالعقل الشعبى يولى أهمية للواقع وما يسوده من أعراف وتقاليد ومتغيرات جديدة على مستويات متنوعة.

واللافت أن الأفراد العاديين أحياناً ما ينتصرون لمعطيات الواقع أكثر مما ينحازون إلى أحكام الشرع، وذلك فى حالة تعارض المصالح.

على سبيل المثال نجد أن بعض الأفراد العاديين لا يرون غضاضة فى إيقاف العمل بأحكام الشرع التى تنص على توريث المرأة، جرياً على الأعراف والعادات السائدة فى بعض البيئات الريفية والتى تحرم المرأة من الميراث، حتى لا تخرج الثروة العائلية إلى أغراب (الأزواج)، ففى هذه الحالة يعطلون حكم الشرع خضوعاً للعرف السائد، والأمر نفسه ينطبق على مسألة تعدد الزوجات، حيث ترفض الكثير من السيدات هذا الحكم، من منطلق أن الواقع الحالى لا يرضى بفكر التعدد، والعرف السائد فيه هو الزواج بواحدة.

فالعادات والتقاليد بالنسبة للفرد تعد بمثابة «دستور الممارسات اليومية»، ما يعنى أن التدين الشعبى أرض وسط بين الدين والعرف، والعادات والتقاليد هى النتاج الطبيعى للامتزاج بين الدين والعرف، لذا تبدو ممارسات التدين الشعبى شديدة التنوع، بحسب البيئات ونظم المجتمع والأحوال الاقتصادية والأنماط المعيشية.

فالتدين الشعبى نمط معيارى مؤسس على نصوص مرجعية من الكتاب والسنة، ومحدد بأبعاد الواقع الثقافى والاقتصادى والاجتماعى والتاريخى السائد فى مجتمع ما، وبالتالى، يمكن اعتباره إرثاً اجتماعياً وثقافياً يتم تناقله من جيل إلى آخر، ما يجعله سلوكاً اجتماعياً أكثر من كونه سلوكاً عقائدياً.

فى ضوء ذلك يصبح من الضرورة بمكان أن يستوعب القائمون على أمر تجديد الخطاب الدينى مسألتين أساسيتين، أولاهما: مسألة التحولات الزمنية، وثانيتهما: أخذ الأعراف السائدة فى الاعتبار عند طرح أفكار التجديد.

من الواجب على من يقدمون أفكار تطوير الفكر الدينى التنبه إلى أن الانتقال من زمن إلى زمن، بما يترتب على ذلك من تحولات فى الواقع، هو العنصر الأهم والأكثر حسماً فى تجديد الخطاب الدينى وتطويره. فنجاح أفكار التجديد يرتبط بالعنصر الزمنى، وبالتالى لا بد من منحها الفرصة كاملة لترسخ كجزء من العرف العام.

من الضرورى أيضاً البحث عن مساحات التجديد التى تتناغم مع العرف السائد، وطرح الأفكار التى تتواءم مع السائد اجتماعياً وعرفياً. فمثل هذه الأفكار من المتوقع أن تلقى قبولاً أكثر من غيرها عندما يتعلق الأمر بتجديد الخطاب الدينى.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الواقع فى مواجهة النص الواقع فى مواجهة النص



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon