توقيت القاهرة المحلي 12:57:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الواقع فى مواجهة النص

  مصر اليوم -

الواقع فى مواجهة النص

بقلم :د. محمود خليل

يصف بعض النخبويين العقل الدينى الشعبى بالميل إلى الرفض الجامد والمتعصب لأفكار تطوير أو تجديد الفكر الدينى، وأنه يعلى من شأن النصوص الموروثة ويتشبث بما حفظ من متونها، أكثر مما يلتفت إلى تحولات الواقع. البحث العملى فى تصورات العقل الدينى الشعبى للعلاقة بين النصوص الموروثة والواقع يقول غير ذلك، ويؤكد أن العقل الشعبى يتمتع بنوع من المرونة الواضحة عند النظر إلى طرفى معادلة «النص - الواقع».

يثمّن العقل الدينى الشعبى ويقدّر سلطة الواقع، بل وأحياناً ما تتفوق هذه السلطة فى تأثيرها على سلطان الموروث، وفى حالة التعارض أحياناً ما يغلب العُرف على النص، أو الواقع على التراث.

فالعقل الشعبى يولى أهمية للواقع وما يسوده من أعراف وتقاليد ومتغيرات جديدة على مستويات متنوعة.

واللافت أن الأفراد العاديين أحياناً ما ينتصرون لمعطيات الواقع أكثر مما ينحازون إلى أحكام الشرع، وذلك فى حالة تعارض المصالح.

على سبيل المثال نجد أن بعض الأفراد العاديين لا يرون غضاضة فى إيقاف العمل بأحكام الشرع التى تنص على توريث المرأة، جرياً على الأعراف والعادات السائدة فى بعض البيئات الريفية والتى تحرم المرأة من الميراث، حتى لا تخرج الثروة العائلية إلى أغراب (الأزواج)، ففى هذه الحالة يعطلون حكم الشرع خضوعاً للعرف السائد، والأمر نفسه ينطبق على مسألة تعدد الزوجات، حيث ترفض الكثير من السيدات هذا الحكم، من منطلق أن الواقع الحالى لا يرضى بفكر التعدد، والعرف السائد فيه هو الزواج بواحدة.

فالعادات والتقاليد بالنسبة للفرد تعد بمثابة «دستور الممارسات اليومية»، ما يعنى أن التدين الشعبى أرض وسط بين الدين والعرف، والعادات والتقاليد هى النتاج الطبيعى للامتزاج بين الدين والعرف، لذا تبدو ممارسات التدين الشعبى شديدة التنوع، بحسب البيئات ونظم المجتمع والأحوال الاقتصادية والأنماط المعيشية.

فالتدين الشعبى نمط معيارى مؤسس على نصوص مرجعية من الكتاب والسنة، ومحدد بأبعاد الواقع الثقافى والاقتصادى والاجتماعى والتاريخى السائد فى مجتمع ما، وبالتالى، يمكن اعتباره إرثاً اجتماعياً وثقافياً يتم تناقله من جيل إلى آخر، ما يجعله سلوكاً اجتماعياً أكثر من كونه سلوكاً عقائدياً.

فى ضوء ذلك يصبح من الضرورة بمكان أن يستوعب القائمون على أمر تجديد الخطاب الدينى مسألتين أساسيتين، أولاهما: مسألة التحولات الزمنية، وثانيتهما: أخذ الأعراف السائدة فى الاعتبار عند طرح أفكار التجديد.

من الواجب على من يقدمون أفكار تطوير الفكر الدينى التنبه إلى أن الانتقال من زمن إلى زمن، بما يترتب على ذلك من تحولات فى الواقع، هو العنصر الأهم والأكثر حسماً فى تجديد الخطاب الدينى وتطويره. فنجاح أفكار التجديد يرتبط بالعنصر الزمنى، وبالتالى لا بد من منحها الفرصة كاملة لترسخ كجزء من العرف العام.

من الضرورى أيضاً البحث عن مساحات التجديد التى تتناغم مع العرف السائد، وطرح الأفكار التى تتواءم مع السائد اجتماعياً وعرفياً. فمثل هذه الأفكار من المتوقع أن تلقى قبولاً أكثر من غيرها عندما يتعلق الأمر بتجديد الخطاب الدينى.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الواقع فى مواجهة النص الواقع فى مواجهة النص



GMT 10:43 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

أحلام تتألق بإطلالة لامعة فخمة في عيد ميلادها

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 01:43 2022 الثلاثاء ,14 حزيران / يونيو

ياسمين صبري تزداد أناقة بإطلالات فخمة وراقية

GMT 21:09 2021 الجمعة ,23 إبريل / نيسان

"وحيد القرن" أصغر ثقب أسود قريب من الأرض

GMT 19:35 2021 الثلاثاء ,23 آذار/ مارس

بورصة بيروت تغلق التعاملات على ارتفاع

GMT 05:47 2021 الخميس ,28 كانون الثاني / يناير

تعرف على رسالة ياسر فرج الأخيرة لزوجته قبل وفاتها

GMT 15:13 2021 الإثنين ,25 كانون الثاني / يناير

أتلتيكو مدريد يصنع التاريخ بالأرقام في الدوري الإسباني

GMT 21:10 2020 الأحد ,27 كانون الأول / ديسمبر

بايرن ميونخ أفضل فريق في 2020 ضمن جوائز "غلوب سوكر"

GMT 13:03 2020 الثلاثاء ,22 كانون الأول / ديسمبر

طبيب يكشف عن والد طفل عروس بنها في حال حملها
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon