توقيت القاهرة المحلي 07:20:53 آخر تحديث
  مصر اليوم -

البحث عن المستحيل

  مصر اليوم -

البحث عن المستحيل

بقلم :د. محمود خليل


من يعجز عن إدراك الممكن عليه ألا يبحث عن المستحيل.. ومن يصعب عليه السيطرة الجزئية عليه ألا يحلم بالسيطرة الكاملة.. ذلك هو الدرس الذى يصح أن نستخلصه من تجارب تاريخية عديدة وأخرى عاصرناها.

هذا الدرس تستطيع أن تستخلصه من مراجعة تجربة الضابط العثمانى إسماعيل باشا أنور، الذى أصبح حاكماً فعلياً لتركيا العثمانية عام 1908.

كان «الباشا» صاحب تفكير قديم، يريد أن يعيد تجربة الفتح العثمانى إلى واجهة المشهد العالمى من جديد، لم يدرك صاحب الكراكيب الفكرية أن الزمان اختلف، وأن ما كان ممكناً بالأمس، بات مستحيلاً اليوم. عاش الرجل يقتات على حلم مستحيل بالسيطرة على العالم وحكم الكرة الأرضية، وهو الحلم الذى عجز عنه من قبل من هو أشد قوة وأكثر ذكاءً منه.

انطلق إسماعيل باشا فى خوض حرب ضد روسيا تحت شعار استعادة أراضٍ كانت تابعة فى الماضى للدولة العثمانية، فوضع نفسه فى مواجهة شوكة الروس المعروفة بقوتها، خصوصاً حين يهاجم أحد أراضيهم، ظن أن بإمكانه أن يحقق المستحيل مع الروس، فى وقت كان يعجز فيه عن السيطرة الكاملة على حكم تركيا، وكانت النتيجة حرباً ضروساً بينه وبين الروس، مات فيها ثلث جيشه من الترك، وأصيب فيها عشرات الألوف.

عاد مهزوماً مدحوراً إلى بلاده، وبدأ يتهم جزءاً من شعبه، وهم الأرمن، بأنهم السبب فى هزيمته، كذلك يفكر محدودو القدرة وضعيفو الأداء، حين يفتشون عن أسباب من خارجهم لتبرير كل فشل يقعون فى حبائله. عجز أمام الروس فأعطاهم ظهره وانسحب من المواجهة معهم، واستدار إلى الحلقة الأضعف داخل تركيا، وهم الأرمن، رغم أن واحداً منهم أنقذه من موت محقق خلال معركته مع الروس فى بلاد القوقاز.

اتجه «إسماعيل أنور» إلى الأرمن وأعمل فيهم آلة السحق، وأخذ يجتهد فى إفناء عرقيتهم، وتحقيق انتصار وهمى عليهم، وهو الذى كان يفر بالأمس من وجه الروس ممن أوشكوا على النجاح فى قتله فى المعارك العسكرية التى خاضها ضدهم.

قد تتدخل الأقدار لإنقاذ إنسان من محنة معينة، حين تقضى الحكمة السماوية بمنحه فرصة أخرى لإصلاح ما أفسد، إذا أضاعها فعليه أن يستقبل العقاب العادل، وذلك ما حدث للباشا أنور بالضبط، حين لم يستغل الفرصة التى أتيحت له للإصلاح بعد الهزيمة من الروس، بل بادر إلى الافتراء على الأرمن، وكانت النتيجة أن اصطاده الروس فى معركة تالية وأمطروه بوابل من الرصاصات، أدت إلى مصرعه.

أصبح أنور باشا نموذجاً على الشخص الذى يحلم بالمستحيل فى الوقت الذى فشل فيه عن إنجاز الممكن. فقد فشل فيما هو ممكن من إصلاح كان لا بد أن يلتفت إليه فى الداخل التركى، بل توجه بكل قدرته وطاقته إلى مواجهة الروس عسكرياً وفى عقر دارهم، ومن المعلوم أن أوضاع الطقس والتضاريس كثيراً ما أعجزت أية قوة مهما كانت إمكانياتها عن النجاح فى ذلك.

ظن الرجل أن بإمكانه النجاح فيما أخفق فيه نابليون.. فكان الفشل حليفه.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

البحث عن المستحيل البحث عن المستحيل



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon