بقلم :د. محمود خليل
قانون «العادة» من أشد القوانين تأثيراً فى حياة البشر. فالاعتياد على أى شىء يمنحه قوة طاغية فى حياة الإنسان، تجعله يستسلم فى الكثير من المواقف لما تعود عليه.
حتى الخطر يمكن أن يتعود عليه الإنسان إذا تواصل فى حياته. إنه يستقبله فى البداية بنوع من القلق والجزع، لكن مع تواصل الخطر واستمراريته يبدأ الإنسان فى التعود عليه وتتبلد ردود فعله نحوه.
الطريقة التى تعامل بها الناس مع فيروس كورونا تقدم لنا نموذجاً عملياً على ذلك.
فعندما ظهر الفيروس فى مصر لأول مرة (مارس 2020) تزاحم المصريون على شراء المطهرات بشتى أنواعها، وقل المعروض منها فى الأسواق وارتفع ثمنها، الأمر نفسه انطبق على الكمامات التى وصل سعر الواحدة منها إلى ما يزيد على الجنيهين والثلاثة فى بعض الأحوال (حدثنى عن سعرها الآن).
خلال هذه الفترة التزم من يخرج من بيته بارتداء الكمامة، ومن يمكث فى الداخل التزم بها كذلك فى استقبال أى وافد إليه.. الأمهات كن يلزمن أولادهن وأزواجهن بخلع الأحذية على الباب، وفرضن على الجميع -فى بعض الأحوال- الاستحمام أولاً قبل التحرك فى المنزل.
مرت الموجة الأولى للفيروس، ثم بدأ المصريون يتحللون من الإجراءات الاحترازية شيئاً فشيئاً، ثم جاءت الثانية فالثالثة فقلت حدة المواجهة والالتزام، حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه ونحن فى الموجة الرابعة حالياً.
ليس المصريون استثناء بين شعوب الأرض فى هذا السياق. فمن طول الفترة التى مكث فيها الفيروس فى حياة البشر بدأوا فى «التعايش» معه، بل ورفضت بعض الشعوب فرض أى نوع من الإغلاق مع تلاحق موجات الفيروس، وواجهت نوايا بعض الحكومات فى هذا السياق بمظاهرات حاشدة.
تلك طبائع البشر.. فالناس إذا كلت ملَّت.. هذه القاعدة تنطبق على الشعوب كما تنطبق على الحكومات، فبالتوازى مع ضجر الشعوب من الإجراءات الاحترازية تراجع الجهد الإعلامى والتوعوى بمخاطر الإهمال فيها، وباتت كل حكومة تتكل على تطعيم أكبر نسبة من أفراد شعبها لتحقيق ما يطلق عليه مناعة القطيع.
وفى الوقت الذى تتوسع فيه أغلب الحكومات فى تطعيم الأفراد، تتناثر التصريحات التى تنصح بعدم الاتكال على اللقاح، وتظهر تصريحات أخرى تدعو إلى زيادة عدد جرعاته إلى ثلاث جرعات، وكلام على أن التحورات الجديدة للفيروس أحياناً ما يعجز اللقاح عن مواجهتها.
تناقض التصريحات أحياناً ما يدعم لدى الجمهور مبدأ «التعايش» والتعود على وجود الخطر فى حياته، خصوصاً إذا كان «التهوين» أحد عناصر التركيبة الشخصية للشعب، ولعلك تذكر أن البعض تعامل مع كورونا فى البداية على أنه فيروس إنفلونزا عادى وأن الإعلام العالمى يهول ويضخم.
قانون العادة وآثاره السلبية فى حياة البشر يمكن مواجهته ببساطة عبر آلية «كسر العادة» والتجديد، ومن الممكن أن تطبق الحكومات المختلفة هذه الآلية من خلال العودة إلى المتابعة الدقيقة للالتزام بالإجراءات الاحترازية داخل المؤسسات ووسائل المواصلات وأماكن التزاحم البشرى.
من الطبيعى أن يجنح المريض المرهق إلى التعايش مع المرض والتعود عليه، لكن أن يفعل الطبيب المعالج ذلك فهذا ما لا يجوز!.