بقلم :د. محمود خليل
حدّثتك بالأمس عن واقعة مصرع معيد كلية هندسة المنصورة مغدوراً على يد صديقه.. قلبى مع زوجته وطفلتها وطفلها الرضيع الذى غاب أبوه عن الحياة حين كانت عيناه تستقبلان الدنيا.
مأساة محققة تعيشها الأسر التى يعولها معيد أو مدرس مساعد أو حتى مدرس جامعة إذا قدر الله تعالى على العائل الموت. جوهرها المعاش الذى تحصل عليه الأسرة الذى لا يزيد بحال على 500 جنيه، وقد يقل عن ذلك مع الدرجات العلمية الأقل، أما المكافأة التى تحصل عليها الأسرة فلا تزيد على عدة آلاف من الجنيهات، لا تفى بحاجة أى أسرة من الطعام والشراب لمدة عام، فما بالك بعمر ممتد.
مأساة أعضاء هيئة التدريس بالجامعات المصرية وكذا الهيئة المعاونة تبدأ منذ اللحظة الأولى التى يسوق فيها التفوق صاحبه إلى اختيار الوظيفة الجامعية وإيثارها على ما عداها من وظائف يمكن أن تحقق له دخلاً أكبر، لأن هناك مَن يقع فى غرام الجامعة، ويقرر أن يقضى عمره فيها.
لا أريد أن أكرر ما بات معلوماً بالضرورة من تدنى المرتبات وتواضع المكافآت التى تُمنح لأعضاء هيئة التدريس على أعمال علمية تتطلب وقتاً وجهداً ضخماً لإنجازها، مثل الإشراف على رسائل الماجستير والدكتوراه التى تتراوح مكافأتها ما بين 268 جنيهاً إلى 400 جنيه، أو مكافأة المناقشات التى تصل إلى 79 جنيهاً!.
هذه القيم المالية للمكافآت لم تعد موجودة فى أية مؤسسة حكومية من المؤسسات العاملة فى مصر، إلا الجامعة التى تعيش أسيرة لما استنه قانون تنظيم الجامعات الصادر عام 1972 من قواعد لصرف المكافآت.
كل ما انقرض فى العديد من المؤسسات الحكومية، لا يزال يتسكع داخل الجامعات، بما فى ذلك عملة «القرش» و«الشلن» و«العشرة قروش» التى باتت فى ذمة التاريخ وما زالت قائمة ضمن صافى المرتب أو المكافآت بعد خصم الضرائب.
مرتبات أقدم الأساتذة داخل الجامعات المصرية لا تجاوز الآلاف العشرة إلا قليلاً.. أما المعاشات فحدث ولا حرج، وقد أشرت إلى قيمة المعاش لمن يتوفى صغيراً مثل معيد المنصورة رحمه الله، أما من يمد الله تعالى فى عمره حتى سن المعاش، فيحصل على مبلغ يتراوح ما بين 1600- 1700 جنيه.
سيقول قائل إن حال معاشات أساتذة الجامعات من حال المعاشات فى كل الوظائف، فهى محكومة بقواعد واحدة ثابتة، لكننى أسأل: هل من الطبيعى أن يكون معاش مَن يبلغ الستين فى مصر أقل بكثير من الحد الأدنى للدخل الذى وضعته الحكومة؟
وقد يقول آخر إن أستاذ الجامعة فوق الستين يعمل أستاذاً متفرغاً بجامعته ويقبض منها باقى مرتبه بعد خصم المعاش منه، وهو كلام صحيح، لكن هل كان يكفيه المرتب حين كان شاباً حتى يسد احتياجاته فى كبره بعد أن غدر به الزمن؟
القلة القليلة من أساتذة الجامعات تتمتع بما يتمتع به «صاحب الكلب» إياه، أما الأغلبية فتعانى مثل غيرها.
أوضاع مرتبات ومعاشات أساتذة الجامعات، الأحياء منهم والأموات، بحاجة إلى إعادة نظر، إن لم يكن من باب العدل، فمن باب الرحمة.