بقلم: د. محمود خليل
يقول تعالى في سورة «الروم»: «ظَهَرَ الْفَسَادُ فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِى عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ». يشير المفسّرون إلى أن الآية الكريمة تشير إلى ما يصيب الناس من نقص في الزروع والثمار بسبب المعاصي. فالنقص عقوبة من الله للبشر حتى يتنبهوا إلى طاعة الله والعودة إليه.
ثمة معنى أساسي تحمله الآية الكريمة يشير إلى أن كل نتيجة يعيشها الإنسان في الحياة لا بد أن تكون لها مقدّمات معينة، فلا شيء يحدث بالصدفة أو بصورة عشوائية. فظهور الفساد في نواحي الحياة المختلفة (في البر والبحر) يمثل نتيجة لمقدمات وضعها البشر بأيديهم، أي نوع من الفساد الذي يظهر في الحياة تستطيع أن تقيسه على هذه القاعدة، بدءا من الفساد الأخلاقي وانتهاءً بالفساد البيئي.
لقد أوضح الخالق العظيم في كتابه الكريم الحكمة في خلق بني آدم والدفع به إلى الأرض.. قال تعالى: «هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا». والإعمار معناه ببساطة الإصلاح، فكل إصلاح في الأرض يمثل إعمارا لها، سواء كان إصلاحا ماديا أو إصلاحا فكريا أو إصلاحا أخلاقيا وهكذا، الإصلاح هو الرسالة الكبرى للإنسان في الحياة، وهو أصل الإيمان بالله، فالعمل الصالح هو النتيجة الكبرى للإيمان.. قال تعالى: «الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ».
أى مجموع بشري يواجه مشكلة أو ابتلاءً معينا، عليه أن يُفتش عن أسبابه في أدائه، فقد وضع الله تعالى في الكون قوانين أساسية تُنظم حركته، ولم يخطئ المصريون حين قالوا في أمثالهم «من زرع حصد»، فما يحصده الإنسان من خير هو زرع يديه، وكذلك ما يجنيه من شر، فكل شيء فى حياة الناس يقع «بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى النَّاسِ»، وابتلاء الله لعباده له مقصد معين، يتمثل في التطهير، تطهير البشر مما وقعوا فيه ودفعهم إلى العودة والرجوع إليه سبحانه.
لقد جعل الله تعالى «الخطأ» جزءا من خريطة سعي بني آدم في هذه الحياة، والرسول، صلى الله عليه وسلم، يقول: «كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون»، والإنسان لا يتوب إلا حين يقاسي، لذلك فالمعاناة التي يلاقيها المرء في حياته قد يكون في باطنها الخير له دون أن يدري، لأنها يمكن أن تصنع منه شخصا آخر، حين تدفعه إلى الوعي بأخطائه فيتوب عنها ويحاول أن يتجنّبها في القادم من حياته، ويكون في ذلك الخير كل الخير له.
حين يظهر الفساد في الواقع المحيط بالإنسان فتلك إشارة من الخالق إلى ضرورة المراجعة، والنظر في المقدّمات والأسباب التي أدت إلى ذلك، وتصحيح ما يتوجب تصحيحه، على الإنسان ألا يعلق مسألة تسمّم البيئة التي يعيش فيها بالفساد على أسباب من خارجه أو من خارج الواقع الذى يعيش فيه، فكل ابن آدم خطاء، كما علّمنا رسول الله، وحجم ونوع الخطأ هو الذي يختلف من شخص إلى آخر، فهناك من يرتكب أخطاء كبرى وهناك من يقع في أخطاء صغرى، لكن الخطأ خطأ في النهاية، حتى لو كان بالصمت العاجز عمن يخطئون، كما كان يردّد المبدع الراحل أحمد زكي رحمه الله.