توقيت القاهرة المحلي 15:37:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ»

  مصر اليوم -

«بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ»

بقلم: د. محمود خليل

يقول تعالى في سورة «الروم»: «ظَهَرَ الْفَسَادُ فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِى عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ». يشير المفسّرون إلى أن الآية الكريمة تشير إلى ما يصيب الناس من نقص في الزروع والثمار بسبب المعاصي. فالنقص عقوبة من الله للبشر حتى يتنبهوا إلى طاعة الله والعودة إليه.

ثمة معنى أساسي تحمله الآية الكريمة يشير إلى أن كل نتيجة يعيشها الإنسان في الحياة لا بد أن تكون لها مقدّمات معينة، فلا شيء يحدث بالصدفة أو بصورة عشوائية. فظهور الفساد في نواحي الحياة المختلفة (في البر والبحر) يمثل نتيجة لمقدمات وضعها البشر بأيديهم، أي نوع من الفساد الذي يظهر في الحياة تستطيع أن تقيسه على هذه القاعدة، بدءا من الفساد الأخلاقي وانتهاءً بالفساد البيئي.

لقد أوضح الخالق العظيم في كتابه الكريم الحكمة في خلق بني آدم والدفع به إلى الأرض.. قال تعالى: «هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا». والإعمار معناه ببساطة الإصلاح، فكل إصلاح في الأرض يمثل إعمارا لها، سواء كان إصلاحا ماديا أو إصلاحا فكريا أو إصلاحا أخلاقيا وهكذا، الإصلاح هو الرسالة الكبرى للإنسان في الحياة، وهو أصل الإيمان بالله، فالعمل الصالح هو النتيجة الكبرى للإيمان.. قال تعالى: «الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ».

أى مجموع بشري يواجه مشكلة أو ابتلاءً معينا، عليه أن يُفتش عن أسبابه في أدائه، فقد وضع الله تعالى في الكون قوانين أساسية تُنظم حركته، ولم يخطئ المصريون حين قالوا في أمثالهم «من زرع حصد»، فما يحصده الإنسان من خير هو زرع يديه، وكذلك ما يجنيه من شر، فكل شيء فى حياة الناس يقع «بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى النَّاسِ»، وابتلاء الله لعباده له مقصد معين، يتمثل في التطهير، تطهير البشر مما وقعوا فيه ودفعهم إلى العودة والرجوع إليه سبحانه.

لقد جعل الله تعالى «الخطأ» جزءا من خريطة سعي بني آدم في هذه الحياة، والرسول، صلى الله عليه وسلم، يقول: «كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون»، والإنسان لا يتوب إلا حين يقاسي، لذلك فالمعاناة التي يلاقيها المرء في حياته قد يكون في باطنها الخير له دون أن يدري، لأنها يمكن أن تصنع منه شخصا آخر، حين تدفعه إلى الوعي بأخطائه فيتوب عنها ويحاول أن يتجنّبها في القادم من حياته، ويكون في ذلك الخير كل الخير له.

حين يظهر الفساد في الواقع المحيط بالإنسان فتلك إشارة من الخالق إلى ضرورة المراجعة، والنظر في المقدّمات والأسباب التي أدت إلى ذلك، وتصحيح ما يتوجب تصحيحه، على الإنسان ألا يعلق مسألة تسمّم البيئة التي يعيش فيها بالفساد على أسباب من خارجه أو من خارج الواقع الذى يعيش فيه، فكل ابن آدم خطاء، كما علّمنا رسول الله، وحجم ونوع الخطأ هو الذي يختلف من شخص إلى آخر، فهناك من يرتكب أخطاء كبرى وهناك من يقع في أخطاء صغرى، لكن الخطأ خطأ في النهاية، حتى لو كان بالصمت العاجز عمن يخطئون، كما كان يردّد المبدع الراحل أحمد زكي رحمه الله.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ» «بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ»



GMT 15:37 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

لبنان.. عودة الأمل وخروج من الأسر الإيراني

GMT 15:33 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

ليلى رستم نجمتنا المفضلة

GMT 08:16 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

انتخابات النمسا وأوروبا الشعبوية

GMT 08:14 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

معضلة الدستور في سوريا

GMT 08:11 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

تقاتلوا

GMT 08:10 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

سوريا بعد الأسد واستقبال الجديد

GMT 08:09 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

الموسوس السياسي... وعلاج ابن خلدون

GMT 08:07 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

تسييس الجوع والغذاء

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:38 2024 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

أفضل ماركات العطور النسائية للخريف

GMT 01:24 2018 الخميس ,28 حزيران / يونيو

تذبذب أسعار الدواجن في الأسواق المصريةالخميس

GMT 21:46 2016 الإثنين ,14 آذار/ مارس

تعرَف على جمال مدينة "دهب" جنوب سيناء

GMT 18:21 2024 الثلاثاء ,06 شباط / فبراير

أهمية تناول المكملات الغذائية يومياً

GMT 10:03 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

أفكار تنسيق موديلات عبايات أسود وذهبي للمناسبات

GMT 00:30 2021 الأربعاء ,13 تشرين الأول / أكتوبر

عطل في تطبيق جيميل Gmail والمستخدمون يلجأون لتويتر

GMT 09:01 2021 الأربعاء ,08 أيلول / سبتمبر

ليلى طاهر تعلن اعتزالها التمثيل دون رجعة

GMT 21:32 2021 السبت ,04 أيلول / سبتمبر

أفكار لتنسيق السروال الأبيض في موسم الشتاء
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon