توقيت القاهرة المحلي 00:40:14 آخر تحديث
  مصر اليوم -

صاحب الكرامة

  مصر اليوم -

صاحب الكرامة

بقلم: د. محمود خليل

منسوب الإنسانية يرتبط بمستوى إحساس الإنسان بكرامته.. فالإنسان إنسان ما دام حافظاً لكرامته التى تعتبر منحة إلهية، اختص الله تعالى بها بنى آدم: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً».. والكرامة التى يمنحها الله يتوجب على صاحبها عدم التفريط فيها، كما يتوجب على غيره عدم إهدارها.

فالله تعالى هو مانح الكرامة، وهو أيضاً سالبها: «وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ».. فالإنسان الذى لا يخضع لخالقه هو سابح فى بحار المهانة، حتى ولو كان إلهه نفسه، وليس غيره.. قد تجد إنساناً مكروماً مكرماً فى الحياة العادية، ربما كان مَهيناً عند الخالق، وقد ترى آخر مهدوراً ممن حوله، لكنه عند الله مكروماً.

لقد حكى القرآن الكريم فى سورة «يس» قصة الرجل الذى جاء من أقصى المدينة يسعى ليقنع قومه باتباع المرسلين، وأعلن إيمانه بالله، وسفه ما كانوا عليه من شرك وعبادة ما لا ينفع ولا يضر.

كان ضعيفاً متعباً منهكاً، لكن ذلك لم يصده عن قول الحق.. فقول الحق كرامة.. وكان جزاء سعيه فى الحياة أن أدخله الله جنته وجعله من المكرمين: «قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِى يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِى رَبِّى وَجَعَلَنِى مِنَ الْمُكْرَمِينَ».

إكرام الله للرجل فى الآخرة كان أساسه دفاعه عن كرامته فى الدنيا، ومواجهته الباسلة لأخطاء قومه، ووقوفه ضد محاولات إهداره.. فالإنسان مطالب بالدفاع عن الكرامة التى منحها له الخالق.

لقد جعل النبى صلى الله عليه وسلم الدفاع عن الكرامة الإنسانية على رأس أهداف رسالته، لذلك كان من الطبيعى أن ينحاز إليه المتعطشون إلى الدفاع عن كرامتهم من عبيد مكة ومواليها وغيرهم ممن عانوا الإهدار على يد السادة.. بلال المؤذن، وصهيب الرومى، وسلمان الفارسى، وعمار بن ياسر وغيرهم، مثّلوا تجارب للإنسان الباحث عن كرامته.. وكان جوهر فهمهم للكرامة ترك الشرك والوثنية وعدم التسليم لبشر مثلهم، ليتحكم فى مصائرهم على الأرض، ثم انطلقوا بعد ذلك إلى المواجهة الباسلة لمحاولة ثنيهم عن الرسالة التى آمنوا بها، وبذلوا أرواحهم رخيصة فى سبيل ذلك، مثل من سبقهم ومن لحق بهم من نماذج بشرية انتفضت دفاعاً عن كرامتها.

يقول الله تعالى على لسان النبى صلى الله عليه وسلم: «وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِى أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْراً اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِى أَنفُسِهِمْ إِنِّى إِذاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ».. لقد دافع هؤلاء الذين ازدرتهم واحتقرتهم أعين المكيين عن كرامتهم التى منحها الله تعالى لهم حتى استردوها كاملة غير منقوصة.

ثمة بوابة واحدة لإتلاف أى مجتمع أو تدميره.. إنها بوابة «نزع الكرامة».. فالبشر الذين تنتزع كرامتهم ينهار بناؤهم الإنسانى، ويخرجون أسوأ ما فيهم، وتتهاوى أمام أعينهم كل القيم التى يمكن أن تقيمهم من حالة الانكفاء التى وقعوا فيها.. الفرد الذى تعود نزع ثوب كرامته وهو داخل إلى دروب الحياة هو الأكثر ميلاً إلى النفاق، والاستسلام لأى خطأ، والذوبان فى مستنقعات الفساد، والرضا بأوضاعه المضطربة وكأنها قدر مقدور.

التنازل عن الكرامة هو تنازل عن الإنسانية.. وذلك أخطر الخطر.. لأنه يضعنا أمام إنسان يرى الخطر أمام عينيه فيتركه ولا يبادر إلى دفعه.. وأخطر الخطر ترك الخطر.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صاحب الكرامة صاحب الكرامة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:26 2021 الأربعاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يضيف لسجله أرقاماً قياسية جديدة

GMT 10:18 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

شوربة الخضار بالشوفان

GMT 08:15 2020 الثلاثاء ,09 حزيران / يونيو

فياريال يستعين بصور المشجعين في الدوري الإسباني

GMT 09:19 2020 الجمعة ,24 إبريل / نيسان

العالمي محمد صلاح ينظم زينة رمضان في منزله

GMT 09:06 2020 الأربعاء ,22 إبريل / نيسان

تعرف علي مواعيد تشغيل المترو فى رمضان

GMT 12:50 2019 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

علالو يؤكّد الجزائر "تعيش الفترة الأهم في تاريخ الاستقلال"

GMT 04:46 2019 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

اتجاهات ديكور المنازل في 2020 منها استخدام قطع أثاث ذكي

GMT 00:42 2019 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

بدء تصوير فيلم "اهرب يا خلفان" بمشاركة سعودية إماراتية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon