توقيت القاهرة المحلي 14:21:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

وتعطلت «لغة الحرام»

  مصر اليوم -

وتعطلت «لغة الحرام»

بقلم: د. محمود خليل

الشعوب تفرح بالعطاء، ولا تنشغل بمصدره، ولا تعتنى بأثره على حاضرها أو مستقبلها.

أوائل سبتمبر عام 1952 أصدر مجلس قيادة الثورة قانون الإصلاح الزراعى، ليحقق واحداً من مبادئ الثورة الستة، المتمثل فى القضاء على الإقطاع.

وزَّع الرئيس عبدالناصر أفدنة باشوات الإقطاع وأمراء العائلة الملكية على الفلاحين، وملَّكهم الأرض. بعدها انطلقت آلة الدعاية التعليمية والإعلامية إلى الحديث عن الاستعمار الغربى والإمبريالية العالمية التى رضيت بأن تكون مصر دولة زراعية، ولا تريد لها أن تتحول إلى دولة صناعية كبرى قادرة على قيادة المنطقة.

أجيال عديدة درست هذه الفكرة فى كتب القراءة، وتربت على عقيدة الدولة الصناعية، وأن الزراعة لا تليق بالشعوب المتحضرة، وكان من بين هؤلاء أطفال ومراهقون من ريفنا الطيب، رسخ فى وجدانهم أن العمل فى الزراعة إرادة من الاستعمار، وليس إرادة أفرزتها وقائع التاريخ أو أنتجتها قوانين الجغرافيا، فرح الفلاح المصرى بالأرض التى حازها، ولهج لسانه بالشكر لجمال عبدالناصر، وابتهج الأبناء بالتعليم والوظائف -بعيداً عن الفلاحة (راجع تبرؤ عبدالهادى النجار من أبيه الفلاح فى رواية زينب والعرش لفتحى غانم).

الكل كان سعيداً، الكبار بتملك الأرض، والصغار بالتعليم، والقيادة بالشعبية التى حققتها. طرف واحد كان يعانى من الاحتقان، هو الملَّاك الذين انتزعت منهم أرضهم. لا بأس أن نقول إن بعضهم أخذها بغير وجه حق وبطرق ملتوية، فتلك حقيقة تاريخية لا يستطيع أن يغفلها أحد، لكن هل توزيعها على الفلاحين كان بحق؟.

انظر إلى المآلات: الأبناء ذهبوا للتعليم والبحث عن الانخراط فى الصناعة، والكبار لم تساعدهم طاقتهم على رعاية الأرض، بدأت رحلة التجريف من أجل البناء، مساحة التربة الزراعية التى حازتها مصر عام 1952، حين كان عدد سكانها 22 مليون نسمة، ثابتة كما هى حتى الآن فى وقت زاد فيه السكان الـ100 مليون نسمة. أقام جمال عبدالناصر -رحمه الله- تجربة صناعية، لكن الإمكانيات لم توفر لها النمو أو الاستمرار، وأهملت هذه المشروعات ولم تجد يداً تمتد إليها لإنقاذها، بل أيادٍ تغرقها.

فرح الشعب بتوزيع الأرض، وانتعشت القيادة بالشعبية، لكن التجربة فشلت، ولم تمضِ إلا سنوات معدودات حتى بدأت الأحزان تتدفق، حين بدأت المؤسسات فى الترهل، والمرافق فى التهرؤ، والاقتصاد فى الترنح، والأرض فى التجريف، والأخلاقيات فى التحلل، والثقافة والتعليم فى التراجع. أما المصانع فحققت بعض الإنجازات، لكنها ظلت تعانى من مشكلات متراكمة، إلى حد أن وصفها خروتشوف فى زيارة له فى مصر بأنها «ورش» وليست مصانع، كما حكى السفير مراد غالب ذات يوم.

شعبنا شغوف بفكرة الحرام والحلال. فهل فكر أحد من أبناء الخمسينات فى حُرمة أو حل الفدادين التى حصل عليها؟. يقول البعض إن الشيخ عبدالمجيد سليم، شيخ الأزهر أوائل الخمسينات تبنى موقفاً معارضاً لقانون الإصلاح الزراعى وأعلن عدم مشروعيته، وذهب إلى أن الحكومة أمامها عدة سبل أخرى لإنعاش الفقراء من خلال رفع قيمة الضرائب، أو باستحداث سياسات جديدة تفتح استثمارات جديدة تستوعب البطالة والفقر.

الشيخ «سليم» كان معروفاً بصلابة مواقفه، وصراحة فتاواه، وعدم اكتراثه بموقف السلطة -حينذاك- من آرائه، وقد أدى على هذا النحو أيام الملك فاروق، وظن أن بإمكانه المواصلة على الوتيرة نفسها بعد الحركة المباركة، فينفعل به الشعب أو يتفاعل معه، ولكن هيهات.. فحيثما ظهرت المصلحة تعطلت لغة الحرام.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

وتعطلت «لغة الحرام» وتعطلت «لغة الحرام»



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد
  مصر اليوم - بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد

GMT 10:34 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

الوجهات السياحية الأكثر زيارة خلال عام 2024

GMT 10:38 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات أنيقة وراقية لكيت ميدلتون باللون الأحمر

GMT 10:52 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

GMT 09:38 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 21:45 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

فجر السعيد تفتح النار على نهى نبيل بعد لقائها مع نوال

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 20:43 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

الأمير هاري يتحدث عن وراثة أبنائه جين الشعر الأحمر

GMT 20:11 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

تكريم توم كروز بأعلى وسام مدني من البحرية الأميركية

GMT 09:56 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 12:18 2016 الإثنين ,12 كانون الأول / ديسمبر

الروح والحب والإخلاص " ربنا يسعدكم "

GMT 23:59 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

اتفاق مبدئي على إعادة تشكيل السلطة التنفيذية في ليبيا

GMT 18:11 2024 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

3 تحديات تنتظر الزمالك قبل غلق الميركاتو الصيفي

GMT 07:33 2019 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

"سيسيه يؤكد رفضت عروضا من أجل البقاء مع "الاتحاد

GMT 05:59 2024 الأحد ,14 تموز / يوليو

محمد النني يقترب من الدوري السعودي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon